الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

لديه صفحة دعوية ويفرح إذا كثر المعجبون بها، ويرغب في ربح مادي منها، فهل يدخل في الرياء؟

353819

تاريخ النشر : 12-09-2022

المشاهدات : 6084

السؤال

أريد أن أصبح داعية إسلاميا، أسعى جاهدًا لتعلّم العلم حتى أتمكّن من القيام به في حياتي اليومية، وتعليم الناس هذا العلم الإسلاميّ، هدفي هو إرضاء الله وحده، أصنع مقاطع فيديو، وأقوم بتحميلها على الفيسبوك واليوتيوب، على الرغم من أنّ هدفي هو إرضاء الله تعالى، إلا إنني إذا حصلت على المزيد من الإعجابات والتعليقات أشعر بالسعادة ، وإذا حصلت على عدد أقلّ من الإعجابات والتعليقات أشعر بالاكتئاب قليلاً. فهل هذا الشعور يُبطِل أعمالي الصالحة؟ وهل هذا يعني أن نيّتي ليست خالصة للّه تعالى؟ أعتقد أيضا أنه إذا حصلت قناتي على اليوتيوب وصفحة الفيسبوك التي أحمّل عليها مقاطع الفيديو الإسلامية على عدد كافٍ من المشاهدات في المستقبل، فقد أكسب بعض المال من خلالها عن طريق التمويل الحلال، أو التسويق التابع للأشياء الحلال، أو بيع بعض المنتجات، وما إلى ذلك، إنّ خطتي للعمل هذه هدف ثانوي، وليس شيئا أنا متحمّس جدّا بشأنه، أو عازم حقّا على القيام به في المستقبل، أعتزم مواصلة نشاطي للدعوة على الفيسبوك واليوتيوب، حتى لو لم أتمكن من كسب أيّة أموال من خلالها؛ لأن هدفي الوحيد هو إرضاء الله تعالى. فهل هذا النوع من الخطط لكسب المال يُبطِل أيضًا نشاطي في الدعوة؟ أحيانًا أصاب بالاكتئاب؛ لأنني أشعر أنني أفعل ذلك من أجل التباهي (الرياء)، ولأن الكثير من الناس يقومون بالدعوة فلست بحاجة إلى القيام بنفس الوظيفة.

الحمد لله.

أولا:

تعليم الناس من أبواب الخير العظيمة

الأخ الكريم

ما أنت عليه من تعلم العلم الشرعي والاجتهاد في نقله إلى الناس باب عظيم من أبواب الخير.

قال الله تعالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33.

فيحسُن بالمسلم التمسك بهذا الباب الدعوي إذا فتح له، ولا يتركه بوساوس كالقول بأن الصفحات الدعوية كثيرة ونحو هذا، فإن أهل الباطل أيضا كثر وصفحاتهم وما فيها من شبهات وشهوات كثيرة، فليجتهد المسلم في تكثير أعداد صفحات الخير والهدى على شبكة الإنترنت.

ثانيا:

الدعوة وتعليم الناس لا بد أن خالصة لوجه الله

العبادات ومنها تعليم الناس الدين ودعوتهم إلى الهدى، يشترط لها الإخلاص.

قال الله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البيّنة/5.

قال ابن فارس رحمه الله تعالى:

" (خلص) الخاء واللام والصاد أصل واحد مطرد، وهو تنقية الشيء وتهذيبه. يقولون: خلصته من كذا " انتهى من"معجم مقاييس اللغة" (2/208).

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام:

" الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصا لله وحده، لا يريد بها تعظيما من الناس ولا توقيرا، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي " انتهى من "قواعد الأحكام" (1/146).

فإذا قصد الإنسان بعمله ثناء الناس فقد فُقِد منه الإخلاص، ووقع في نوع من أنواع الشرك.

عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟

قَالَ: (الرِّيَاءُ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً) رواه الإمام أحمد في "المسند" (39/43)، وحسن إسناده محققو المسند، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/120).

ويقدح في الإخلاص أيضا أن يكون قصد الإنسان من عمله أن يكتسب شيئا من الدنيا بعبادته .

روى أبو داود (3664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . يَعْنِي رِيحَهَا) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(145767). 

ثالثا:

الفرح بالثناء والمدح هل ينافي الإخلاص؟

لكن ليس كل ثناء يفرح به العامل يعتبر رياء.

فسرور العبد بثناء الناس عليه قد يكون مباحا، وهو من البشرى المعجلة له في الدنيا بالخير، إذا كان لم يتقصد هذا الثناء ويطلبه من الناس بعمله؛ وإنما فعل الطاعة مخلصا لله، فأثنى الناس عليه. وينظر جواب السؤال رقم: (145731).

وكذلك إذا كان فرحك بزيادة المعجبين دافعه حب الخير للناس بأن تفرح بكثرة المنتفعين بدعوتك ، وتفرح بما تُلقِيه هذه الكثرة في قلبك من شدة الرجاء في عظم الثواب عند الله تعالى، فهذا ليس من الرياء بل من الخير، لأن المؤمن من شأنه أن يحب أن تكثر حسناته ويحب أن يكون مفتاحا للخير يهتدي الناس بسببه، وهذه إمامة في الدين ممدوحة، وقد ذكر الله تعالى من دعاء عباد الرحمن : (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) القرفان/74.

أما إذا كان فرحك بزيادة الإعجاب دافعه حب المدح والشهرة، فهذا رياء محرم.

فإذا انضاف إليه ما يصيبك من "اكتئاب" إذا قل عدد المعجبين: فهذا نذير بأن ثم خللا في عملك، أو قصدك ؛ فاجتهد في تصحيح نيتك، وجاهد نفسك على ذلك، وخلص القصد لرب العالمين قدر طاقتك.

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم:(9359)، ورقم:(177655).  

رابعا :

كسب المال بسبب عبادة قام بها العبد هل ينافي الإخلاص؟

ليس كل مال يكتسبه العبد أثناء أداء عبادة يعتبر قادحا في الإخلاص.

فقد أباح الله تعالى للمجاهد في سبيل الله أن يأخذ الغنيمة كا هو معلوم، وأباح للحاج أن يتجر أثناء حجه.

قال الله تعالى:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) البقرة/198.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَتْ عُكَاظُ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي المَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ)، فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ ) رواه البخاري (4519).

والضابط في معرفة ما يقدح في الإخلاص مما لا يقدح فيه : أن ينظر العبد إلى قصده ونيته.

فإن كان باعثه على العمل هو الإخلاص لله تعالى ورجاء ثوابه ، فهذا مخلص لله في عمله ، وإن كان باعثه غير ذلك ، فهو غير مخلص لله تعالى .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ) رواه مسلم (1905).

وعن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا شَيْءَ لَهُ)، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا شَيْءَ لَهُ)، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ) رواه النسائي (3140).

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وإسناده حسن كما قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(4/328).

والأحاديث بمعناه كثيرة...

فهذا الحديث وغيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل، وفي ذلك يقول تعالى:( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) " انتهى من "السلسلة الصحيحة" (1 /118–119).

فأما النفع المادي من الصفحة، فما دام ليس هو الدافع للعمل الدعوي كما شرحتَ في السؤال، فلا حرج في ذلك، خاصة إذا قصد بهذا المال خدمة الصفحة، بأن تنفق ما تكسبه في تطوير نشاطك الدعوي هذا، وبأن تستعين به على التفرغ للدعوة.

وقد سبق بسط هذا في جواب السؤال رقم: (128093).

والله أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب