الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز للداعية والمؤلف والمحاضر أخذ مال على أفعاله ؟ وهل لهم أجور يوم القيامة ؟

128093

تاريخ النشر : 13-08-2009

المشاهدات : 39089

السؤال

رجل أو امرأة يعملان في الدعوة ، ويؤلفان الكتب ، هل يجوز له أو لها أن يأخذا ربحاً على الكتب الدينية التي يكتبها - أو تكتبها هي - بعد تغطية كلفة الطباعة ، أو أجراً على إلقاء محاضرة ، أو تعليم أحدٍ دينَه ؟ وهل ينقص من أجره يوم القيامة ؟ .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

أخذ الأجرة على كتابة الكتب الإسلامية ، أو إلقاء المحاضرات النافعة ، أو تعليم الدين : جائز ، على القول الصحيح ، ويقوى الجواز إذا وجدت الحاجة إلى المال .

ومن أدلة الجواز :

1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ [أي : قطيع من الغنم] فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا : أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا ؟! حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ ) رواه البخاري ( 5405 ) .

ومعنى ( مرُّوا بماء ) أي : بقوم نازلين على ماء .

2. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : (أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ : زَوِّجْنِيهَا قَالَ : أَعْطِهَا ثَوْبًا ، قَالَ : لَا أَجِدُ قَالَ : أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَاعْتَلَّ لَهُ ، فَقَالَ : مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : كَذَا وَكَذَا قَالَ : فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ) . رواه البخاري ( 4741 ) ومسلم ( 1425 ) .

ومعنى ( فاعتل له ) حزن وتضجر من أجله ، أو : تعلل أنه لم يجده .

قال النووي رحمه الله :

وفي هذا الحديث : دليل لجواز كون الصداق تعليم القرآن ، وجواز الاستئجار لتعليم القرآن ، وكلاهما جائز عند الشافعي ، وبه قال عطاء ، والحسن بن صالح ، ومالك ، وإسحاق ، وغيرهم ، ومنَعَه جماعة ، منهم : الزهري ، وأبو حنيفة ، وهذا الحديث مع الحديث الصحيح : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) يردان قول مَن منع ذلك ، ونقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة سوى أبي حنيفة .

" شرح مسلم " ( 9 / 214 ، 215 ) .

وقد علَّلَ الحنفية منهم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، بقولهم : لأن تعليم القرآن عبادة ، وواجب شرعي ، فلا يجوز أخذ الأجر عليه ، وأباحوا أخذ الأجرة على الرقية .

قال ابن بطَّال رحمه الله :

وأما قول الطحاوي : إن تعليم الناس القرآن بعضهم بعضاً فرض : فغلط ؛ لأن تعلم القرآن ليس بفرض ، فكيف تعليمه ؟! وإنما الفرض المتعين منه على كل أحد : ما تقوم به الصلاة ، وغير ذلك : فضيلة ، ونافلة ، وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضاً الصلاة ليس بفرض متعين عليهم ، وإنما هو على الكفاية ، ولا فرق بين الأجرة على الرقَى ، وعلى تعليم القرآن ؛ لأن ذلك كله منفعة .

وقوله عليه السلام : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ) هو عام يدخل فيه إباحة التعليم وغيره ، فسقط قولهم .

" شرح صحيح البخاري " ( 6 / 405 ، 406 ) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن ، وكان ذلك صداقها ، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب ، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) أخرجه البخاري ومسلم ، وإنما المحظور : أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن ، وسؤال الناس بقراءته .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 96 ) .

 ثانياً:

أما نقصان أجر الآخرة بهذه الأجرة المأخوذة في الدنيا فلا يمتنع ذلك ، ويكون ثواب من لم يأخذ أجرة أكمل وأعظم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) رواه مسلم (1906) .

قال النووي رحمه الله :

"وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث : فَالصَّوَاب الَّذِي لَا يَجُوز غَيْره : أَنَّ الْغُزَاة إِذَا سَلِمُوا أَوْ غَنِمُوا يَكُون أَجْرهمْ أَقَلّ مِنْ أَجْر مَنْ لَمْ يَسْلَم , أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَم , وَأَنَّ الْغَنِيمَة هِيَ فِي مُقَابَلَة جُزْء مِنْ أَجْر غَزْوهمْ , فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ الْمُتَرَتَّب عَلَى الْغَزْو , وَتَكُون هَذِهِ الْغَنِيمَة مِنْ جُمْلَة الْأَجْر , وَهَذَا مُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة عَنْ الصَّحَابَة كَقَوْلِهِ : ( مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْره شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ يَهْدُبُهَا ) أَيْ : يَجْتَنِيهَا , فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الصَّوَاب , وَهُوَ ظَاهِر الْحَدِيث , وَلَمْ يَأْتِ حَدِيث صَرِيح صَحِيح يُخَالِف هَذَا , فَتَعَيَّنَ حَمْله عَلَى مَا ذَكَرْنَا" انتهى .

ويمكن تقسيم المعلمين والمؤلفين والدعاة الذين يأخذون أجرة على مؤلفاتهم أو محاضراتهم ودروسهم إلى قسميْن :

1. أن يقصد أولئك بتلك الأجور والأموال الاستعانة بها على طاعة الله ، ويكون قصدهم الأصلي نشر العلم ، ورفع الجهل عن الناس ، ورفع راية الإسلام في كل مكان ، وأما ما يحصل من نفع دنيوي : فهو تبع لا أصل ، فهؤلاء لهم أجر في الآخرة .

2. أن يقصد أولئك بنشر تلك الأعمال الكتابية ، والقيام بالأعمال الدعوية ، والتعليم : أن يقصدوا بذلك ما يترتب عليها من نفع دنيوي ، ابتداءً ، وانتهاءً ، فيفعلوا هذه الأشياء من أجل المال ، فهؤلاء لا ثواب لهم على تلك الأعمال ، لأنهم إنما أرادوا بها الدنيا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وجماع هذا : أن المستحب : أن يأخذ [يعني : المال] ليحج ، لا أن يحج ليأخذ ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح ، فمن ارتزق ليتعلم ، أو ليعلِّم ، أو ليجاهد : فحسن ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون أجورهم مثل أم موسى ترضع ابنها ، وتأخذ أجرها ) ، شبههم بمن يفعل الفعل لرغبة فيه كرغبة أم موسى في الإرضاع ، بخلاف الظئر المستأجر على الرضاع إذا كانت أجنبية .

وأما من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق : فهذا من أعمال الدنيا ، ففرق بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة ، ومن تكون الدنيا مقصوده ، والدين وسيلة ، والأشبه : أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق ، كما دلت عليه نصوص ، ليس هذا موضعها .

" مجموع الفتاوى " ( 26 / 19 ، 20 ) .

ويدل لهذا القول أحاديث ، منها :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ يَعْلَى ابْنَ مُنْيَةَ قَالَ : آذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَزْوِ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ لِي خَادِمٌ فَالْتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِينِي وَأُجْرِي لَهُ سَهْمَهُ ، فَوَجَدْتُ رَجُلًا فَلَمَّا دَنَا الرَّحِيلُ أَتَانِي فَقَالَ : مَا أَدْرِي مَا السُّهْمَانِ وَمَا يَبْلُغُ سَهْمِي فَسَمِّ لِي شَيْئًا كَانَ السَّهْمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَسَمَّيْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْ غَنِيمَتُهُ أَرَدْتُ أَنْ أُجْرِيَ لَهُ سَهْمَهُ فَذَكَرْتُ الدَّنَانِيرَ فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُ فَقَالَ : ( مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى ) رواه أبو داود ( 2527 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله :

أي : لا يُعطى شيئاً من الغنيمة ؛ لأنه اتفق معه على هذا المقدار ، وكذلك ليس له شيء في الآخرة ؛ لأنه ما جاهد من أجل الله ، وإنما خرج من أجل الأجرة .

" شرح سنن أبي داود " ( 13 / 439 ) ترقيم الشاملة .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا أَجْرَ لَهُ ) فَأَعْظَمَ ذَلِكَ النَّاسُ ، وَقَالُوا لِلرَّجُلِ : عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّكَ لَمْ تُفَهِّمْهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَقَالَ : ( لَا أَجْرَ لَهُ ) فَقَالُوا لِلرَّجُلِ : عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ : (لَا أَجْرَ لَهُ) .

رواه أبو داود ( 2516 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :

وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضاً من الدنيا أنه ( لاَ أَجْرَ لَهُ  ) وهي محمولة على أنه لم يكن له غرضٌ في الجهاد إلا الدنيا .

" جامع العلوم والحكم " ( 1 / 17 ) .

وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله :

لأن الذي يدفعه للجهاد : هو أن يحصل عَرَضاً دنيويّاً ، من غنيمة ، أو أجرة ، ولعل المقصود من ذلك : أن قصده الدنيا وحدها ، ولا يريد إعلاء كلمة الله .

" شرح سنن أبي داود " ( 13 / 417 ) ترقيم الشاملة .

وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم ( 95781 ) و (134154) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب