الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

مراحل تشريع الصيام

356299

تاريخ النشر : 12-03-2023

المشاهدات : 37551

السؤال

أرجو معرفة مراحل الصيام قبل أن تنسخ بالكيفية التي عليها الآن.

ملخص الجواب

كان تشريع الصيام على مراحل: -فرض أولا صوم عاشوراء. -ثم نسخ فرض صوم عاشوراء، وفرض صوم شهر رمضان مع التخيير. -وكان الصيام مع المنع من الأكل والشرب والجماع ليلا بعد النوم. -ثم نسخ ذلك، واستقر الحكم على وجوب صومه دون تخيير، مع إباحة الأكل والشرب والجماع ليلا.

الجواب

الحمد لله.

أول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام قبل فرض رمضان هو صوم عاشوراء .

كما ورد عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لاَ يَصُومُهُ" البخاري (3831)، ومسلم (1125).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ " رواه مسلم (1128).

وأما رمضان فقد فرض صيامه في السنة الثانية للهجرة.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطّنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج.

وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات " انتهى من "زاد المعاد" (2/29).

وكان فرضه على ثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: التخيير بين الصوم، أو الإفطار مع إطعام مسكينٍ عن كل يوم.

قال الله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة /184.

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا ) رواه البخاري (4507)، ومسلم (1145).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وقد فرض الله الصيام في السنة الثانية إجماعا، فصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعا ، وفرض أولا على التخيير بين الصيام والإطعام؛ والحكمة من فرضه على التخيير التدرج في التشريع؛ ليكون أسهل في القبول؛ كما في تحريم الخمر، ثم تعين الصيام وصارت الفدية على من لا يستطيع الصوم إطلاقا " انتهى من "الشرح الممتع" (6/298).

  • المرحلة الثانية :إلزام المستطيع بالصوم، ورفع التخيير.

قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة /185.

وفي رواية مسلم لحديث سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ السابق، أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ، حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" رواه مسلم (1145).

وعلّق البخاري في صحيحه بصيغة الجزم عن ابْن أَبِي لَيْلَى، أنّه قال: "حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ، مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا:  وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ" . "فتح الباري" (4 / 187).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" التخيير في الصوم في أول الإسلام بين الإطعام وبينه، لما كان غير مألوف لهم ولا معتاد، والطباع تأباه؛ إذ هو هجر مألوفها ومحبوبها، ولم تذق بعد حلاوته وعواقبه المحمودة وما في طيه من المصالح والمنافع، وخيّرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه.

فلمّا عرفت علّته وألفته، وعرفت ما ضمنه من المصالح والفوائد: حُتِم عليها عينا، ولم يقبل منها سواه.

فكان التخيير في وقته مصلحة، وتعيين الصوم في وقته مصلحة، فاقتضت الحكمة البالغة شرع كل حكم في وقته؛ لأن المصلحة فيه في ذلك الوقت " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (2 / 930).

  • المرحلة الثالثة : كان الصائم في بداية فرض الصوم إذا نام بعد غروب الشمس، ولم يفطر: حرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى الليلة التالية.

ثم نسخ هذا الحكم، فشرع للصائم أن يأكل ويشرب، ويجامع أهله في الليل، في أي ساعة شاء، قبل نومه أو بعده.

عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ " رواه البخاري (1915).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وكان للصوم رتب ثلاث، إحداها: إيجابه بوصف التخيير. والثانية: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم، حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة " انتهى من "زاد المعاد" (2 / 30).

ثم شرع سائر تطوع الصيام شيئا فشيئا، كما هي سنّة التشريع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب