الحمد لله.
القاعدة في الضمان
تضمين صاحب البلاطة فيه تفصيل، ينبني على موضعها، وحالها قبل سقوطها.
والقاعدة: أن التعدي يترتب عليه الضمان، وأن ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون.
وعلى ذلك:
فهذه البلاطة إن كانت في ملك الجار، لم يضعها خارج ملكه، فلا ضمان عليه؛ إلا إن كانت قد مالت أو آلت للسقوط، وحُذر الجار، وطلب منه الإصلاح وأٌشهد عليه، ومضى وقت كاف للإصلاح فلم يفعل، فإنه يضمن ما تلف بسقوطها.
وقيل: لا يشترط أن يحذر، ولا أن يشهد عليه، ما دام قد رآها مائلة.
فهذه ثلاثة شروط للضمان، إلا إن أقر صاحب البلاطة أنها كانت آيلة للسقوط، أو وضعها في الأصل غير مثبتة، فإنه يضمن، ولو لم يحذر ولم يُشهد عليه.
وهذا بخلاف من كان متعديا، كأن وضع شيئا في غير ملكه، أو على جناح أو بلكونة في الطريق، لم يؤذن له بوضعها، فإنه يضمن ما تلف بسقوطها.
قال خليل المالكي في مختصره: "وكسقوط جدار مال، وأُنذر صاحبه، وأمكن تداركه".
وقال الدردير في "الشرح الكبير" (4/ 356): (وكسقوط جدار) على شيء، فأتلفه؛ فيضمن صاحبه، بشروط ثلاثة أشار لها بقوله: (مال)، بعد أن كان مستقيما، (وأُنذر صاحبه)، بأن قيل له: أصلحْ جدارك، ويُشهَد عليه بذلك عند حاكم، أو جماعة المسلمين، ولو مع إمكان حاكم.. (وأمكن تداركه)، بأن يتسع الزمان الذي يُمكن الإصلاح فيه ولم يصلح؛ فيضمن المالَ، والدية في ماله.
ومفهوم (مال): أنه لو بناه مائلا ابتداء، فسقط على شيء أتلفه: لضمن بلا تفصيل.
ومفهوم (أنذر): أنه إذا لم يُنذر، أي مع الإشهاد؛ فلا ضمان عليه، إلا أن يعترف بذلك مع تفريطه؛ فيضمن.
وخرج بقوله: (صاحبه): المرتهن والمستعير والمستأجر؛ فلا يعتبر فيهم الإنذار؛ إذ ليس لهم هدم.
ومفهوم (أمكن تداركه): أنه إذا لم يمكن، بأن سقط قبل زمن يمكن فيه التدارك: لم يضمن." انتهى.
وتبين بهذا أن الضمان يكون في حالات، ويسقط في أخرى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/ 353): "ذهب الفقهاء إلى أنه إذا بنى في ملكه جدارا مائلا إلى الطريق النافذة، فسقط فيه، فتلف به شيء: ضمن، لأنه متعد في ذلك.
وإن بناه في ملكه، مستويا، فسقط بغير استهدام، ولا ميل، فأتلف شيئا: فلا ضمان عليه، بلا خلاف، لأنه لم يتعد في بنائه، ولا حصل منه تفريط بإبقائه.
وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطريق: فإن لم يمكنه نقضه وإصلاحه، فلا ضمان عليه، لأنه لم يتعد ببنائه، ولا فرط في تركه وإصلاحه، لعجزه عنه، فأشبه كما لو سقط من غير ميل.
وإن أمكنه نقضه وإصلاحه، فلم يفعل: فقد ذهب الحنفية والمالكية وأحمد إلى الضمان، بشرط أن يطالب واحد أو أكثر من أهل المصلحة في الخصومة بالنقض، ويُشهد على ذلك عند حاكم أو جمع من المسلمين.
وقال الشافعية: يضمن لتقصيره وإن لم يطالب ولم يشهد." انتهى.
وفي "تحفة المحتاج" (9/ 159: "(أو) بناه (مستويا، فمال)... (وسقط)، وأتلف شيئا حال سقوطه: (فلا ضمان)؛ لأن الميل لم يحصل بفعله.
(وقيل إن أمكنه هدمه وإصلاحه: ضمن)؛ لتقصيره بترك الهدم والإصلاح، وانتصر له كثيرون. وعليه؛ فيظهر أنه لا فرق بين أن يطالب بهدمه ورفعه، وأن لا." انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (8/ 427): "وإذا بنى في ملكه حائطا مائلا إلى الطريق، أو إلى ملك غيره، فتلف به شيء، أو سقط على شيء، فأتلفه، ضمنه؛ لأنه متعد بذلك، فإنه ليس له الانتفاع بالبناء في هواء ملك غيره، أو هواء مشترك، ولأنه يعرضه للوقوع على غيره في ملكه، فأشبه ما لو نصب فيه منجلا يصيد به. وهذا مذهب الشافعي. ولا أعلم فيه خلافا.
وإن بناه في ملكه مستويا، أو مائلا إلى ملكه، فسقط من غير استهدام ولا ميل، فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به؛ لأنه لم يتعد ببنائه، ولا حصل منه تفريط بإبقائه.
وإن مال قبل وقوعه إلى ملكه، ولم يتجاوزه، فلا ضمان عليه؛ لأنه بمنزلة بنائه مائلا في ملكه. وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطريق، أو إلى ملك إنسان، أو ملك مشترك بينه وبين غيره: نظرنا؛ فإن لم يمكنه نقضه، فلا ضمان عليه؛ لأنه لم يتعد ببنائه، ولا فرط في ترك نقضه لعجزه عنه، فأشبه ما لو سقط من غير ميل.
وإن أمكنه نقضه فلم ينقضه، لم يخل من حالين:
أحدهما، أن يطالب بنقضه.
والثاني: أن لا يطالب به.
فإن لم يطالب به، لم يضمن، في المنصوص عن أحمد، وهو ظاهر كلام الشافعي، ونحوه قال الحسن، والنخعي، والثوري، وأصحاب الرأي؛ لأنه بناه في ملكه، والميل حادث بغير فعله، فأشبه ما لو وقع قبل ميله.
وذكر بعض أصحابنا فيه وجها آخر: أن عليه الضمان. وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي ثور، وإسحاق؛ لأنه متعد بتركه مائلا، فضمن ما تلف به، كما لو بناه مائلا إلى ذلك ابتداء...
وأما إن طولب بنقضه، فلم يفعل، فقد توقف أحمد عن الجواب فيها. وقال أصحابنا: يضمن. وقد أومأ إليه أحمد، وهو مذهب مالك، ونحوه قال الحسن، والنخعي، والثوري. وقال أبو حنيفة: الاستحسان أن يضمن؛ لأن حق الجواز للمسلمين، وميل الحائط يمنعهم ذلك، فلهم المطالبة بإزالته، فإذا لم يزله ضمن " انتهى.
الحالات التي يضمن فيها الجار زجاج السيارة
فالحاصل أن جارك يضمن زجاج سيارتك في الحالات الآتية:
1-أن يكون وضع البلاطة في خارج ملكه، كما لو كانت على بلكونة متطرفة خارجة عن حد ملكه.
2-أن يكون وضعها غير مثبتة.
3-أن يكون ثبتها، لكنها آلت للسقوط وطلبتَ منه الإصلاح، أو طلب غيرك، وأشهدت عليه الناس أو الجيران أو إدارة الحي، ومضى زمن يمكنه الإصلاح فلم يفعل.
وفي قول للشافعية ووجه للحنابلة وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي ثور، وإسحاق: أنه لا يشترط المطالبة والإشهاد، ما دام قد مالت للسقوط، وأمكنه إصلاحها، فلم يفعل.
ولا يضمن فيما عدا ذلك.
وفي حال ضمانه: فإنه يضمن جميع ما تلف من السيارة؛ فيتحمل إصلاح ذلك، ورده إلى ما كانت عليه؛ إلا أن ترضى بأقل منه، أو تصطلحان بينكما على شيء، فالحق لا يعدوكما، ولكما أن تصطلحا على ما تريان.
والله أعلم.
تعليق