الحمد لله.
القصيدة المذكورة تتعلق بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وفيها كثير من الغلو المذموم الذي يصل إلى الشرك بالله تعالى، مع ما فيه من ركاكة ظاهرة في ألفاظها، وخلل في وزنها الشعري، بحسب النسخة التي أتيح لنا الوقوف عليها . ولم نقف على قائلها لكن جاء في هذه القصيدة:
دعاكم مستغيثا راجيا أملا فهل له من سوار لطفكم نظر
والاستغاثة بغير الله تعالى من الأموات والغائبين شرك أكبر.
وفي القصيدة استغاثات بالنبي صلى الله عليه وسلم، منها ما ذكرت، ومنها هذه الأبيات، وهي صريحة في طلب الاستغاثة الآن في الدنيا، وليس الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم في الآخرة، ، ومنها قوله:
فما لنا ملجأ إلا جنابك يا خير البرية إذ يستعظم الخطر
تالله أقسم ما وافاك منكسر إلا وأصبح منه الكسر ينجبر
ولا احتمى بحماك المحتمي فزعا إلا وعاد بأمن ماله خفر
ولا أتاك فقير الحال ذو أمل إلا وفاض من الإثر له نهر
ولا أتاك امرؤ من ذنبه وجل إلا وعاد بعفو وهو مغتفر
ولا دعاك لهيف عند نازلة إلا ولباه منك العون واليسر
ومن تكن برسول الله نصرته والفتح من جنده والنصر والظفر
والرسول صلى الله عليه وسلم بريء من ذلك كله، ولا يغيث الملهوف، ولا يجيب المضطر ولا ينصر ولا يعز ولا يجير ولا يحمي ولا يعين إلا الله تعالى.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن أنه لا يملك لنفسه شيئا، فضلا عن غيره فقال: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف/188.
وقال سبحانه لما دعا نبيه صلى الله عليه وسلم على أناس من المشركين يوم أحد: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُون آل عمران/128
روى البخاري (4069) عَنْ ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)آل عمران/128- إِلَى قَوْلِهِ - (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)آل عمران/128.
وأخبر الله تعالى أنه لا يجيب المضطر غيره، فقال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ النمل/62.
وأخبر سبحانه أنه قريب لا يحتاج إلى واسطة، فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة/186.
فعكس الغلاة الأمر، وصار فزعهم ولجوؤهم في الشدائد إلى غير الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات = فهو كافر بإجماع المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 124).
وهذا الإجماع نقله غير واحد من أهل العلم مقرين له، وانظر في ذلك: "الفروع" لابن مفلح (6/ 165)، "الإنصاف" (10/ 327)، "كشاف القناع" (6/ 169)، "مطالب أولي النهى" (6/ 279).
وقال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: " وأما دعاؤه هو وطلب استغفاره وشفاعته بعد موته، فهذا لم ينقل عن أحد من أئمة المسلمين، لا من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، بل الأدعية التي ذكروها خالية من ذلك" انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي"، ص 136
وننبه إلى أن القصائد المليئة بالغلو كثيرة، ولا ينبغي السؤال أو التحذير مما كان منها مجهولا أو قليل الاستعمال فإن في ذلك نشرا وترويجا لها.
والله أعلم.
تعليق