الحمد لله.
أولا:
نهنئك على هذا التفكير السديد، ونسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك، ويهدي قلبك، ويدخلك في دينه، ويصرف عنك نزغات الشيطان.
ثانيا:
الدين قائم على العبودية والاستسلام لأمر الله تعالى، فمن آمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، لزمه أن يسلّم بكل ما قاله الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم -إذا صح الحديث عن رسول الله-، حتى لو لم يدرك حكمته، لكن أكثر القضايا التي تثار على الإسلام معلومة الحكمة، بينة الحجة، لا يملك العقل إذا عرف تفصيلها إلا أن يؤمن بصوابها وموافقتها للحكمة.
حرص الإسلام على تحرير الرقيق
ومن ذلك مسألة ملك اليمين، فقد جاء الإسلام وملك اليمين أمرٌ شائعٌ في كل المجتمعات، حتى عند أهل الشرائع السماوية السابقة (اليهودية والنصرانية) ! فشرعَ الإسلام من الشرائع ما يؤدي إلى تحرير العدد الجم من الأرقاء بل ما يؤدي إلى تحرير أكثرهم على مر الأيام - كما حصل بالفعل-، فرغّب في العتق، وعظَّم ثوابه، وجعل العتق ضمن كفارات: القتل، والظهار، والجماع في رمضان، وكفارة اليمين، ولو كان الرق موجودا اليوم لكان أهون على كثير من الناس أن يعتق الرقبة، على أن يصوم شهرين متتابعين!
ولهذا انحسر الرق انحسارا ظاهرا جدا في مجتمعات المسلمين، قبل أن تقوم الدول بإلغائه.
ثم إنه شرع من الأحكام والآداب ما يرفع هذا الرقيق إلى مصاف الأحرار في أكثر التعاملات، وحرم ضربه وإهانته، وأمر أن يُطعمه سيده مما يَطْعم، ويُلبسه مما يلبس ولا يكلفه بما لا يطيق، بل جعل كفارة من لطم عبده أو ضربه أن يعتقه!
ولا يتسع المجال لإيراد النصوص في ذلك، لكن نذكر شيئا يسيرا منها، لتعلم رغبة الإسلام في تحرير الأرقاء، وعظم وصيته بمن بقي منه رقيقا.
روى البخاري (6715) ومسلم (1509) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ .
وروى مسلم (1657) عن ابْنَ عُمَرَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ .
وروى الترمذي (1542) عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا سَبْعَةَ إِخْوَةٍ مَا لَنَا خَادِمٌ إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْتِقَهَا.
وروى البخاري (30) ومسلم (1661) عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ .
وقد سبق في عدة أسئلة بيان هذه المسألة ومناقشتها، وبيان أنها من محاسن الإسلام .
وينظر للأهمية جواب السؤال رقم: (326235) وجواب السؤال رقم (94840) .
ثالثا:
الحكمة من تشريع حد الردة
وأما قتل المرتد، فإنه مما يدل على كمال الشريعة وحرصها على حفظ الدين، وحرصها على الشخص نفسه، فهي تمنعه من الانسياق خلف الشيطان الذي يدعوه للردة، فإذا علم أن المصير القتل، تفكر وتروى، ثم غالبا ما تزول شبهته، وتحفظ المجتمع؛ لأن الردة تثير الشك في نفوس الضعفاء، لا سيما إذا كثرت، فيقولون: لولا أن هذا الدين باطل لما تركه فلان وفلان، والله سبحانه رحيم بعباده، لا يرضى لهم الكفر، بل يحفظ عليهم دينهم، ويزيل ما من شأنه أن يشككهم ويضعف إيمانهم.
ثم لو كان المرتد يُترك، لكانت فرصة عظيمة للكفار أن يعلنوا إسلامهم، ثم يتكلمون بالكفر، وينشرون الإلحاد آمنين مطمئنين، أو يصرحون بأنهم لم يقتنعوا بالإسلام، فيتشكك الناس في عقائدهم، وتتلوث فطرهم، وتنتشر المقالات الكفرية بين الناس، كما هو واقع الآن في بعض المجتمعات لغياب عقوبة المرتد، وإن كان يحدّ من الشر أن القوانين تمنع بعض الصور من ذلك.
وانظر: جواب السؤال رقم (20327).
رابعا:
السحر والجن والمس أمر واقع لا يمكن إنكاره
وأما السحر والجن والمس، فهذا أمر يقر به سائر الأمم، وهو معلوم في اليهودية والنصرانية وغيرها، بل من المعلوم غلو قساوسة النصارى ورهبانهم في ذلك، وانشغالهم به، وتعويلهم عليه، أضعاف ما عند المسلمين منه، وهو أمر واقع لا يمكن إنكاره، ولعله إن تيسر لك أن تحضر مجلسا للرقية الشرعية لمصروع أو ممسوس؛ أن ترى المرأة يتكلم على لسانها رجل لا يستريب أحد أنه رجل، وربما تكلم بغير لغتها، مما لا تعلم هي منه حرفا، ثم يخبر الجني عن بلده، ولغته، ودينه إلى غير ذلك، والعقل لا يمنع وجود مخلوقات خفية لا نراها، ولا يمنع دخولها وتسلطها على الإنس، ثم وجدنا النص الصحيح يثبتها، فما وجه الإنكار بعد ذلك؟ بل شاهدنا ذلك وعايناه.
ولا نظن أنك تنكر وجود الملائكة، مع أننا لم نرها، وإنما آمنا بها اتباعا لكلام الله وكلام رسله.
خامسا :
هل للعقل أن يعترض على الأحكام الشرعية التي لم يقتنع بها؟
وأما قولك : إنك كما اقتنعت بالإسلام بعقلك، فمن حقك أن تعرض بعقلك على بعض ما جاء في الإسلام من أحكام ... فكلام غير صحيح .
وبيان ذلك :
أن عقلك دلك على أن الإسلام حق، وهذا جيد وصحيح، وإلى هنا ينتهي دور العقل، بمعنى أن العقل بعد ذلك يجب عليه أن يسلم للوحي الذي أقر قبل ذلك بأنه حق، وليس من حق العقل الاعتراض على تفاصيل ما جاء به الشرع، ما دام قد أقر أن الشرع حق، وعلم أنه جاء بذلك؛ لأنه بذلك يطعن في نفسه .
فالعقل دلك على أن القرآن كلام الله ووحيه، وأن الله تعالى هو الأرحم والأعلم والأحكم ... وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا، وهذا يعني أن جميع الأحكام التي شرعها الله هي حق وعدل ورحمة وحكمة، فهل من العقل بعد ذلك أن يأتي العقل ليعترض على حكم شرعه الله؟ ويدعي أنه علم ما لم يعلمه الله؟ أليس في هذا قدح في العقل نفسه؟
والواجب على المسلم هنا أن يسأل: هل هذا الحكم هو حكم الله فعلا؟
فإن ثبت أنه حكم الله وجب التسليم له، ثم لا بأس أن يبحث عن حكمة الشرع فيه، وعن وجه تعقله وتدبر مقاصده ؛ ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه أعلم من الله، أو أحكم منه، أو أرحم .
أما إن كان الحكم غير ثابت في القرآن ولا في السنة الصحيحة، فليس هو حكما لله، فليعترض عليه من شاء .
واعلم، يا عبد الله؛ أن الشيطان حريص على إبعادك وحرمانك، وهو أول من يثير لك الشبهات، ويضع في طريقك العقبات.
فبادر بالنطق بالشهادتين والدخول في الإسلام، وأيقن أن كل شبهة تقال على الدين الحق لها جوابها المقنع، لأن الدين من عند الله الحكيم العليم.
وفصل الكلام: أنك لو آمنت بالله، وآمنت برسوله صلى الله عليه وسلم، لأيقنت أنه لا يخرج شيء من الأحكام عن العدل والحكمة.
ولو قدر أنك آمنت، وعصيت فلم تنفذ أمرا- مع عدم إنكارك للحكم الشرعي- فهذا خير من بقائك على الكفر.
فبادر، ولا تؤجل، فإنك لا تدري متى يحين أجلك، والناس اليوم يتخطفون من حولك، من يموت بمرض، ومن يموت بحادث وبغيره.
ولا حرج عليك في إخفاء إسلامك، مع أدائك الفرائض قدر استطاعتك.
وانظر: جواب السؤال رقم: (175339) ورقم: (153572) ورقم: (100627) ورقم: (188856) ورقم: (165426).
نسأل الله أن يرضى عنك، ويهدي قلبك، ويدخلك دينه، ويتم عليك نعمته، ويرزقك الفردوس الأعلى.
ونأمل أن تبشرنا بإسلامك في أقرب وقت، فذلك مما تدخل به السعادة والسرور علينا.
والله أعلم.
تعليق