الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يتفاوت الناس في حسابهم على المعاصي بتفاوتهم في الذكاء؟

373571

تاريخ النشر : 20-07-2022

المشاهدات : 8370

السؤال

هل يحاسب الله تعالى الناس يوم القيامة على حسب قدراتهم العقلية؟ أي أن الله يشدد الحساب على من كان أكثر ذكاء؛ لأنه سبحانه أعطاه عقلا ولم يستفد منه في خير، ويكون حساب الأدنى ذكاء حسابه أيسر؟ لأن الناس يتفاتون أحيانا بدرجات كبيرة في الذكاء والفهم والاستيعاب؛ لأن المجنون لا يحاسب لذهاب عقله، والحيوانات لا تحاسب كذلك لصغر عقولها ومقدراتها التي هى أدنى من مستوى التكليف، والجمادات لا تحاسب لأنها لا عقل لها كما معلوم، وبناء على ذلك، وكما معروف اختلاف مقدرات النساء العقلية عن الرجال، وأيضا النفسية والجسدية، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(أنهن ناقصات عقل ودين) فهل تحاسب النساء كالرجال مثلا لو اقترف الاثنان نفس الذنب؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

العقل مناط التكليف؛ فمن كان فاقد العقل فليس مكلفا، ولا حساب عليه، لكنه يمتحن يوم القيامة، فعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا .

رواه الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (16301)، وحسنه محققو المسند، وله شواهد متعددة، ذكرها ابن كثير في تفسيره (5/ 50 - 53)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1434).

ثانيا:

لم نقف على ما يفيد أن تفاوت الناس في الذكاء يترتب عليه- لذاته- تفاوت في حسابهم على فعل الطاعة أو المعصية.

لكن إن كان المراد أن من كان أكثر ذكاء، فهو أكثر علما من الآخر؛ فلا شك أن هذا قد قامت الحجة عليه بما بلغه من العلم زائدا، ما لم تقم على الجاهل.

وإن كان المراد: أنه قد يفهم من أمر الدين، وحكمه، ما لم يفهم الجاهل: فلا شك أن قد قامت عليه الحجة بما فهمه زائدا، ما لم تقم على الجاهل؛ وفي مثل ذلك قيل: ويل للجاهل مرة، وويل للعالم.

وقد سئل الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب مجلة المنار الشهيرة، رحمه الله:

" ما يقول (المنار) المُنير في رجل أطرى عالمًا بسعة اطلاعه، وجودة مُدركه، ونحو ذلك، فقال آخر حسدًا لذلك العالم، وجهلاً منه بحقيقة العلم: دعني من علم أولئك الناس الذين ظهروا اليوم، وَفَسَّقَ وَكَذَّب ... إلى أن استشهد ببيت ابن رسلان:

وعالم بعلمه لم يعملن ... معذب من قبل عابد الوثن

فقال له المُطرِي: مهلاً فإنك تعلم أن الغِيبة حرام، فالبيت يصدق عليك، فإنك لم

تعمل بعلمك، فكيف الحكم في ذلك المغتاب؟ .. إلخ." .

فأجاب:

"تحريم الغيبة معلوم من الدين بالضرورة؛ للنهي عنها في القرآن، وتبشيع حال أهلها.

وغيبة العلماء أشد الغيبة ضررًا؛ لأنها تفضي إلى تنفير الجاهلين عن الاستفادة منهم، وذلك صَدٌّ عن سبيل الله.

ثم إن في قول ذلك الطاعن في العلماء جراءة أخرى، وهي أن يحكم في أمر من علم الغيب ببيت من الشعر؛ وذلك من القول على الله تعالى بغير علم، وهو محرم بنص القرآن، بل ذكر تحريمه مقرونًا بتحريم الشرك بالله.

وقد قيل: إن لمعنى البيت أصلاً في الحديث، لكن الطاعن لم يعرفه؛ إذ لو عرفه لاحتج به، لا بقول مَن لا حجة في كلامه. روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا:

(إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استُشهد فأُتي به فعرَّفه نعمته، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: إنك عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل. ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها ذلك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار..) . فمن هذا الحديث أُخذ: أن هؤلاء الثلاثة أول مَن يحاسَب ويعذَّب.

ولكن ما يدرينا أن الأولية بالنسبة إلى المسلمين، لا إلى المشركين وعُباد الأوثان، أو أن أفعل ليس على بابه؟

ثم إن الحديث في العالِم المرائي، لا في تارك العمل بعلمه؟

فهذا الحكم غير صواب، وإن اشتُهر، وتلقاه المقلدون بالقبول.

وإذا جاز أن يُغتاب العالم الذي يتهم بالرياء، ويخاض في عرضه، لأجل هذا الحديث؛ جاز أيضًا أن يُغتاب الشهيد، والمحسن المنفق في سبيل الله ؛ وهؤلاء خيار الناس، وخيرهم العالم المعلم؛ فما معنى تحريم الغيبة إذا جازت غيبتهم؟!

الرياء أمر خفي لا يجوز أن نحكم به على عالم ولا جاهل.

نعم؛ إن مؤاخذة العالم بتحريم الشيء، إذا هو فعله: أشد من مؤاخذة من يفعل الذنب جاهلاً بكونه ذنبًا؛ من حيث الجراءةُ على الله .

ولكن المذنب الجاهل: يؤاخَذ على الذنب، وعلى الجهل معًا، فإن الجهل ليس بعذر إلا ما يكون في دقائق الشبهات، وخفيات الأحكام.

ومن الأحاديث التي تلوكها ألسنة كثير من العامة، فتُجرِّئهم على إهانة العلماء حديث: (ويل للجاهل مرة وويل للعالم ألف مرة) ؟

ولا أعرف له أصلاً؛ وما أراه إلا من وضع المتأخرين.

وقد روى سعيد بن منصور عن جبلة مرسلاً: (ويل لمن لا يعلم، ولو شاء لعلم، واحد من الويل.  وويل لمن يعلم ولا يعمل، سبع من الويل) !!

وهو، على إرساله: لا يصح. وعباراته تدل على أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو نعيم في الحلية من حديث حذيفة: (ويل لمن لا يعلم، ولو شاء الله لعلمه. وويل لمن علم ثم لا يعمل).

وهو ضعيف، وإن كان معناه صحيحًا." انتهى، من "مجلة المنار" – الشاملة – (9/289).

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم:(317419)، ورقم:(230646)، ورقم:(278553). 

وعلى ذلك؛ فلو فعل رجل وامرأة، أو ذكي وبليد، نفس المعصية، فعقوبتهما واحدة، ولو اختلفا في الذكاء، هذا هو الأصل.

ولكن ثم أمور تضاعف الحسنات، وأخرى تزيد السيئات، أو تمحوها، وقد تتفاوت العقوبة بحسب ما قام بالقلب من الخوف، أو قام به من الاستهانة والاجتراء على حدود الله، وهذا باب كبير.

ونقصان عقل المرأة لا يعني أنها أقل ذكاء من الرجل، وانظر جواب السؤال رقم:(111867). 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب