الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل الحسنات والسيئات مخلوقة؟

376302

تاريخ النشر : 03-07-2022

المشاهدات : 8868

السؤال

هل الحسنات والسيئات مخلوقة؟

ملخص الجواب

الحسنات والسيئات مخلوقة، سواء قلنا إن المراد بهما نفس أعمال العباد، طاعاتهم ومعاصيهم، أو قلنا: إن المراد بالحسنات والسيئات: ما يثاب به العبد على أعماله، وما يجده في صحيفته يوم القيامة؛ فكل ذلك مخلوق، لا إشكال في خلقه. وينظر للأهمية تفصيل هذا في الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

الحسنات والسيئات يراد بها أمران:

الأمر الأول: أفعال العباد الحسنة، وطاعتهم، وهذه الحسنات، وأفعال العباد السيئة، ومعاصيهم، وهذه السيئات.

والحسنات والسيئات بهذا الاعتبار: مخلوقة، باتفاق أهل السنة، خلافاً للمعتزلة ومن وافقهم، ممن ينفي خلق أفعال العباد.

وقد ألف البخاري رحمه الله ورضي عنه كتاب " خلق أفعال العباد"، وأورد فيه أدلة أهل السنة على هذا ، ومن أدلتهم التي أوردها :

1- عن حذيفة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته وتلا بعضهم عند ذلك: والله خلقكم وما تعملون [الصافات: 96] ، قال "البخاري" : فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة"، انتهى .

"خلق أفعال العباد" للبخاري(ص: 46).

2- عن يحيى بن سعيد يقول: ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة قال أبو عبد الله البخاري: " حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق، قال الله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم [العنكبوت: 49] " . وقال إسحاق بن إبراهيم: فأما الأوعية فمن يشك في خلقها؟ ، قال الله تعالى: وكتاب مسطور في رق منشور [الطور: 3] ، وقال: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ [البروج: 21] ، فذكر أنه يحفظ ويسطر . قال: وما يسطرون [القلم: 1]، انتهى من"خلق أفعال العباد"(ص:47).

وقال شارح الطحاوية : " وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة، وهي مخلوقة لله تعالى، والحق سبحانه وتعالى منفرد بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه.

فالجبرية غلوا في إثبات القدر، فنفوا صنع العبد أصلا، كما عملت المشبهة في إثبات الصفات، فشبهوا.

والقدرية نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى. ولهذا كانوا مجوس هذه الأمة، بل أردأ من المجوس، من حيث إن المجوس أثبتوا خالقين، وهم أثبتوا خالقين!!

وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فكل دليل صحيح يقيمه الجبري، فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة ولا مريد ولا مختار، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار.

وكل دليل صحيح يقيمه القدري، فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأنه مريد له مختار له حقيقة، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته.

فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق، إلى حق الأخرى، فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة، من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم.

وهذا هو الواقع في نفس الأمر، فإن أدلة الحق لا تتعارض، والحق يصدق بعضه بعضا. ويضيق هذا المختصر عن ذكر أدلة الفريقين، ولكنها تتكافأ وتتساقط، ويستفاد من دليل كل فريق بطلان قول الآخرين. ولكن أذكر شيئا مما استدل به كل من الفريقين، ثم أبين أنه لا يدل على ما استدل عليه من الباطل"، انتهى من"شرح الطحاوية ت الأرناؤوط" (2/ 640-461).

وقال الشيخ "ابن عثيمين" في "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (5/ 46) :

"أفعال العباد كلها من طاعات ومعاص كلها مخلوقة لله كما سبق ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية وذلك لأدلة كثيرة منها:

1 - أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسبا له فقال: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرة عليه ما نسب إليه.

2 - أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع لقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا . فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . ولو كان مجبورا على العمل ما كان مستطيعا على الفعل، أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.

3 - أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري، وأن الأول يستطيع التخلص منه.

4 - أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قدر له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول؟ ! أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول: هذا ما قدر لي؟ !

5 - أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ . ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل " ، انتهى.

والأمر الثاني الذي يراد بإطلاق الحسنات والسيئات أيضا: هو جزاء الله على أعمال العباد ، فالحسنة ، هي جزاء العبد على طاعته، وما يجده من الثواب عليها، في صحيفة أعماله، أو من ثواب الجنة .

والسيئة: هي جزاء العبد على معاصيه، وما يجده من ذلك في كتابه، أو العقوبات التي يلقاها، في القبر، وفي النار، وسائر ما يعاقبه.

والحسنات والسيئات : هي بهذا المعنى : مخلوقة أيضا، بلا إشكال عند أهل السنة والجماعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في رد مقالة القدرية: " واحتجوا بأن الشرائع غير مخلوقة لأنها أمر الله وكلامه والأفعال هي الشرائع فتكون قديمة. وهذا قول في غاية الفساد وهو مخالف لنصوص أئمة الإسلام كلهم؛ وأحدهم الإمام أحمد فإنه نص هو وغيره من الأئمة على أن الثواب الذي يعطيه الله على قراءة القرآن مخلوق. فكيف بالثواب الذي يعطيه على سائر أعمال العباد." انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/408).

وقال أيضا: "الثواب مخلوق من مخلوقات الله تعالى فلا ينازع أحد في أن بعضه أفضل من بعض" انتهى من "مجموع الفتاوى"(17/52).

وقال، في بيان دخول الأمرين في خلق الله تعالى: " والمقصود هنا: أن " الحسنة " مضافة إليه سبحانه من كل وجه. و " السيئة " مضافة إليه لأنه خلقها. كما خلق " الحسنة " فلهذا قال كل من عند الله . ثم إنه إنما خلقها لحكمة. ولا تضاف إليه من جهة أنها سيئة، بل تضاف إلى النفس التي تفعل الشر بها لا لحكمة. فتستحق أن يضاف الشر والسيئة إليها. فإنها لا تقصد بما تفعله من الذنوب خيرا يكون فعله لأجله أرجح. بل ما كان هكذا فهو من باب الحسنات. ولهذا كان فعل الله حسنا. لا يفعل قبيحا ولا سيئا قط. وقد دخل في هذا سيئات الجزاء والعمل. لأن المراد بقوله ما أصابك من حسنة و من سيئة النعم والمصائب، كما تقدم." انتهى، من "مجموع الفتاوى" (14/275).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(124504)، ورقم:(130685). 

والحاصل:

أن الحسنات والسيئات مخلوقة، سواء قلنا إن المراد بهما نفس أعمال العباد، طاعاتهم ومعاصيهم، أو قلنا: إن المراد بالحسنات والسيئات: ما يثاب به العبد على أعماله، وما يجده في صحيفته يوم القيامة؛ فكل ذلك مخلوق، لا إشكال في خلقه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب