الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

معنى السواد في حديث: (خَلَقَ اللهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ... وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَأَنَّهُمُ الْحُمَمُ).

386421

تاريخ النشر : 02-01-2023

المشاهدات : 12091

السؤال

أريد توجيه حديث: (فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم)، هل في الحديث معناه أن ذات البشرة السوداء في النار؟ أنا لم أفهم مراد الحديث، فأريد شرح العلماء له.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

هذه الرواية أخرجها الإمام أحمد في "المسند" (45/481)، وأبو بكر البزار في "المسند" (10/ 78): عن هيثم بن خارجة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ عُتبة، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ، كَأَنَّهُمُ الذَّرُّ، وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَأَنَّهُمُ الْحُمَمُ، فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَمِينِهِ: إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا أُبَالِي وَقَالَ: لِلَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى: إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي.

وهذه الرواية مختلف في صحتها، للاختلاف الحاصل في راويها أبي الربيع سليمان بن عتبة.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" سليمان بن عتبة أبو الربيع الداراني، عن: يونس بن ميسرة. وعنه: أبو مسهر، وهشام بن عمار: صدوق. قال: ابن معين: لا شيء. وقال دُحيم: ثقة " انتهى من"الكاشف" (1/462).

فلذا هناك من ضعّف هذه الرواية كصنيع محققي المسند، حيث قالوا: " إسناده ضعيف بهذه السِّياقة، أبو الربيع -وهو سليمان بن عتبة- مختلف فيه، وقد تفرَّد به، وهو ممن لا يُحتمل تفرَّده".

وهناك من حسّن اسنادها، كالبزار حيث قال عقب سياقه للحديث:

" وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهذا اللّفظ إلاّ من هذا الوجه بهذا الإسناد. وإسناده حسن" انتهى. (10/79).

وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/114).

ثانيا:

على القول بصحة هذه الرواية، فصفة السواد لهذه الذريّة؛ ليس المقصود به لون جلودهم وبشرتهم في الحياة الدنيا؛ لأن لون الجلد لا أثر له في دخول الجنة أو دخول النار، بل العبرة بالإيمان والتقوى. قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات/13.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟

قَالَ: أَتْقَاهُمْ رواه البخاري (3353)، ومسلم (2378).

وروى الإمام أحمد في "المسند" (38 /474)؛ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ".

وصحح اسناده محققو المسند.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير من سمع خطبته صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يسمّ، وذلك مما لا يضر، لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في علم "مصطلح الحديث ".

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء" (ص 69): إسناده صحيح" انتهى من"السلسلة الصحيحة" (6/450).

وإنما المقصود بذلك السواد، هو عاقبة حال تلك الذرية في الآخرة، حيث يغشاهم السواد يوم القيامة بسبب كفرهم وظلمهم وفجورهم ولو كانوا بيض الوجوه في الدنيا.

ونظير ذلك قول الله تعالى:  يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  آل عمران/106-107.

وقال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ الزمر/60.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) بيّن في هذه الآية الكريمة أن من أسباب اسوداد الوجوه يوم القيامة: الكفر بعد الإيمان، وذلك في قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) الآية.

وبيّن في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكذب على الله تعالى، وهو قوله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ).

وبيّن في موضع آخر أن من أسباب ذلك اكتساب السيئات، وهو قوله: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا)، وبيّن في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكفر والفجور وهو قوله تعالى: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ، أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ).

وهذه الأسباب في الحقيقة شيء واحد، عبّر عنه بعبارات مختلفة، وهو الكفر بالله تعالى، وبيّن في موضع آخر شدة تشويه وجوههم بزرقة العيون، وهو قوله: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)، وأقبح صورة أن تكون الوجوه سودا والعيون زرقا" انتهى من"أضواء البيان" (1/ 335–336).

قال الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى:

" (وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَأَنَّهُمُ الْحُمَمُ)، - الحمم-جمع حممة: الفحمة؛ وذلك لأنهم من المسودة وجوههم في الآخرة، ولأنهم يتصفون بظلمة الكفر " انتهى من"التنوير" (5/502).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب