الحمد لله.
الحديث الذي أشرت إليه أختي السائلة هو ما رواه البخاري (1386)، وغيره من حديث سمرة بن جندب قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟)
قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ: (مَا شَاءَ اللهُ).
فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟)
قُلْنَا: لَا.
قَالَ: (لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدَيَّ ، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ ، بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَا: انْطَلِقْ .
فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ، أَوْ صَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا، حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالَا: انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا ، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا ، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ .
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ ، عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ وَرَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ .
فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَا: انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ ، بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا ، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ ، وَأَدْخَلَانِي دَارًا ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا ، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ ، وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا ، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ ، فَأَدْخَلَانِي دَارًا ، هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ .
قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ.
قَالَا: نَعَمْ .
أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ ، يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا .
وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ ، وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ ، قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي ، قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ) وهذا لفظ البخاري.
والسبب الذي جعل العلماء يعدون هذا العذاب المذكور في الحديث متعلقاً بالبرزخ: هو ما ورد في الحديث من لفظ : ( فيصنع به إلى يوم القيامة)، أو ( فيفعل به إلى يوم القيامة)؛ فدل ذلك على أن هذا العذاب يكون قبل يوم القيامة، ولا يحتمل ذلك إلا في فترة البرزخ.
وعلى هذا نص الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/445)، فقال: " وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ".
وقبله ذكر البيهقي هذا الحديث مستدلاً به في الأبواب المتعلقة بعذاب القبر من كتابه "التذكرة في أحوال الموتى والآخرة" (ص392)، ولا يكاد يختلف الشراح في هذا المعنى.
على أنه ليس في الحديث ما يمنع أن يكون هذا العذاب أو بعضه موجودا بعد ذلك في النار، ولا شك أن عذاب العصاة في النار : أشد من عذابهم في القبر.
نسال الله العافية والسلامة من موجبات سخطه.
والله أعلم.
تعليق