الحمد لله.
أولا:
البيدوفيليا: مصطلح يطلق على اضطراب جنسي، والمتصفون به لا يجدون متعتهم الجنسية إلا بالتحرش بالأطفال صغار السن من الجنسين، والاعتداء عليهم، ولا ينجذبون إلا إليهم.
ولا شك أن من يتلبس بهذا السلوك، ويتصرف على وفقه: فقد وقع في منكر عظيم وفاحشة لا يقرها شرع ولا فطرة سوية؛ فهذا من أعظم الفواحش والظلم والبغي.
قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
ومن يعاني من هذه الاضطرابات والخيالات، لكنه يترك العمل بها، لعلمه بحرمتها؛ فهو محمود على مجاهدة نفسه وهواه، وردها عما حرم الله.
قال الله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/46.
وقال الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازاعات/40 – 41.
وتحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (272896).
ثانيا:
لا علاقة لزواج الصغيرة بهذا الانحراف النفسي والسلوكي بوجه من الوجوه، ولا يشتبه الأمران إلا على جاهل، أو مريض النفس، يتبع الشبهات!!
وإلا؛ فهل يقول عاقل: لماذا حرم الله الزنا، وأباح النكاح، وفي كل منهما قضاء للشهوة، واستمتاع بالمرأة، وفي الزواج تأخذ المرأة مهرها، وفي الزنا والدعارة، تأخذ البغي أجرتها؟!
وقد اشتبه أمر الحلال والحرام على اليهود من قبل، أو لنقل: شبهوا بهما، والفرق بينهما واضح كبير: أن هذا حلال أحله الله، وهذا حرام حرمه الله. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: " فجمعوا- بجراءتهم- بين ما أحل الله، وبين ما حرم الله، واستباحوا بذلك الربا" انتهى من "تفسير السعدي" (958).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا أي أباح البيع، ومنع الربا؛ وهذا رد لقولهم: إنما البيع مثل الربا ؛ فأبطل الله هذه الشبهة بما ذكر." .
ثم قال – في جلمة فوائد الآية -: " ومنها: أن الحكم لله - تبارك وتعالى - وحده؛ فما أحله فهو حلال؛ وما حرمه فهو حرام سواء علمنا الحكمة في ذلك، أم لم نعلم؛ لأنه تعالى رد قولهم: إنما البيع مثل الربا بقوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا ؛ فكأنه قال: ليس الأمر إليكم؛ وإنما هو إلى الله" انتهى من "تفسير سورة البقرة" (3 /375-377).
والحاصل:
أن الفرق شاسع بين هذا الانحراف النفسي، الذي لا يطلب صاحبه إلا الصغار (ذكورا أو إناثا)، ويتتبع ذلك من كل طريق، لا نظر له إلى حرام أو حلال، ولا انحراف أو استقامة، وبين زواج الصغيرات.
فالصغيرة التي تتزوج لا تبقى صغيرة أبد الدهر، بل تكبر عند زوجها، وهي زوجته، وتشب، وتهرم، وتشيب، عند زوجها، وهي زوجته.
بخلاف من لا قصد له إلا قضاء الوطر، ومتى كبرت قليلا، تركها، وطلب غيرها من الصغيرات؛ فإن كان ذلك قصده، فهو منحرف، لا يزوجه أحد، ولا يرضاه لكبار بناته، ولا صغارهن!!
مع ما في نكاح الصغيرة من مصلحة أخرى، وهي مصلحة المصاهرة، وحصول الترابط بين عائلتين (عائلة الزوج وعائلة الزوجة).
وطالع للأهمية جواب السؤال رقم: (176799).
ثالثا:
ليعلم أن من أعظم ضوابط الانحراف في هذا الباب، تعظيم الشرع لأمر الولاية، فقد حمّل الأب مسئولية عظيمة في بذل النصح لابنته، وأن يجتهد في اختيار ما فيه مصلحة لها في الدين والدنيا؛ فهي ولاية سيسأل عنها يوم القيامة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فهو رَاعٍ عليهم وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (2554)، ومسلم (1829).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها ... وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح ، كما قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). ولم يقل إلا بالتي هي حسنة.
وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته؛ والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها؛ والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته؛ والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته؛ ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته). أخرجاه في الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة) رواه مسلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/ 250– 251).
رابعا:
مراعاة عرف المجتمع في سن تزويج الفتاة: هذا مضبوط بمدى ما فيه من مصالح أو مفاسد شرعية للبنت.
فإذا كان التأخير يفسدها أكثر مما يصلحها فهنا تشرع المبادرة بتزويجها، والعكس إذا كان التبكير بتزويجها يحتوي على مفاسد تفوق ما يرجى من مصالحه، فهنا يشرع عدم التبكير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وتمام " الورع " أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين ، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات" انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/512).
وقال الشاطبي رحمه الله تعالى:
"الأدلة الشرعية والاستقراء التام: أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية ... " انتهى من "الموافقات" (5/179).
والله أعلم.
تعليق