الحمد لله.
هذا الكلام فيه من الحق، بقدر ما قد يراد به من الباطل!!
فقد شرع الله تعالى الحجاب للمرأة حتى تستر زينتها وجمالها عن الرجال الأجانب عنها ، لما يترتب على هذا من المفاسد العظيمة .
قال الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/31.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (15/405)، أبو داود (565)، وصححه محققو المسند.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
" قوله: ( وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ )، وفي بعض الروايات: ( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا)،وفي بعضها: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ )، فيلحق بالطيب ما في معناه. فإن الطيب إنما منع منه لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم. وربما يكون سببا لتحريك شهوة المرأة أيضا. فما أوجب هذا المعنى التحق به.
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ )، ويلحق به أيضا: حسن الملابس، ولبس الحلي الذي يظهر أثره في الزينة. وحمل بعضهم قول عائشة رضي الله عنها ، في الصحيح: ( لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) على هذا، تعني إحداث حسن الملابس والطيب والزينة " انتهى من "إحكام الأحكام" (1/ 166—167).
ولستر هذا الجمال أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء أن يُطلن ثيابهن حتى لا تظهر الأرجل.
كما في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟
قَالَ: (يُرْخِينَ شِبْرًا).
فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ.
قَالَ: (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) رواه الترمذي (1731)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (47569).
وأما الباطل الذي يراد به: هو تزهيد هؤلاء المتهتكين النساء في الحجاب، بتلك المقولة؛ فكأن جمال النساء سلعة، تعرض على أعين الناس. أو كأنه نهب، يترك في الطريق للصوص والسراق!!
وكأن المرأة الجميلة، إذا احتجبت، سوف تدفن هكذا، ولا يظهر لجمالها أثر، ولا يراه أحد.
بلى؛ يراه من يحل له أن يراه، ومن أذن الله له في التنعم به؛ يرى هذه النعمة: الزوج الحلال، ويتمتع به، وما زالت المحجبات يتزوجن، ويطيب عيشهن مع أزواجهن، فلم يمنعهن الحجاب من الزواج، ولا منع أزواجهن من رؤية الجمال، والتنعم الحلال به.
ثم ماهي المنفعة التي ستجلبها المرأة من إظهار جمالها للرجال الأجانب عنها؟!
لا شيء ، لكنها بذلك تفسد الدنيا والدين ، فإن تبرج المرأة وإظهارها زينتها واختلاطها بالرجال الأجانب عنها سبب لشيوع الفاحشة التي هي سبب لزوال الأمم .
قال ابن القيم رحمه الله :
"يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَالْفُرَجِ ، وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ ... فَالْإِمَامُ مَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ ، وَالْفِتْنَةُ بِهِ عَظِيمَةٌ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ).
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ بَاعِدُوا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : أَنَّهُ قَالَ لِلنِّسَاءِ: (لَكُنَّ حَافَّاتُ الطَّرِيقِ).
وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ ، وَمَنْعُهُنَّ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يَكُنَّ بِهَا كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ ، كَالثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ وَالرِّقَاقِ ، وَمَنْعُهُنَّ مِنْ حَدِيثِ الرِّجَالِ ، فِي الطُّرُقَاتِ ، وَمَنْعُ الرِّجَالِ مِنْ ذَلِكَ ...
وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ : أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ ، وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ .
فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ : كَثْرَةُ الزِّنَا ، بِسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ ، وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ - قَبْلَ الدِّينِ - لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إذَا ظَهَرَ الزِّنَا فِي قَرْيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ بِهَلَاكِهَا " .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا طَفَّفَ قَوْمٌ كَيْلًا ، وَلَا بَخَسُوا مِيزَانًا ، إلَّا مَنَعَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَطْرَ ، وَلَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَا إلَّا ظَهَرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ ، وَلَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ إلَّا ظَهَرَ فِيهِمْ الْخَسْفُ ، وَمَا تَرَكَ قَوْمٌ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ إلَّا لَمْ تُرْفَعْ أَعْمَالُهُمْ ، وَلَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُمْ" انتهى من "الطرق الحكمية" (407-408).
فالحجاب وإن كان يغطي جمال الجسد فهو ينشر جمال الخُلُق، ويحقق طهارة المجتمع من الفتن، ويقيه سببا من أعظم أسباب الفساد.
والله أعلم.
تعليق