الحمد لله.
أولا:
صكوك المضاربة
لا حرج في المضاربة وهي اشتراك مال وعمل، ولا حرج في اشتراك عدد من الناس في رأس المال وتصكيكه، وهو ما يسمى بصكوك المضاربة، كأن يقال: إن الصك بعشرة آلاف مثلا، فيشارك الشخص بما شاء منها، ويملك من رأس مال المضاربة بنسبة ما يملكه من صكوكها.
جاء في "المعايير الشرعية" ص290: "صكوك المضاربة:
هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات أو أنشطة تدار على أساس المضاربة بتعيين مضارب من الشركاء أو غيرهم لإدارتها" انتهى.
وجاء فيها ص293: " المصدر لتلك الصكوك هو المضارب، والمكتتبون فيها هم أرباب المال، وحصيلة الاكتتاب هي رأس مال المضاربة، ويملك حملة الصكوك موجودات المضاربة، والحصة المتفق عليها من الربح لأرباب المال، ويتحملون الخسارة إن وقعت" انتهى.
ثانيا:
شروط صحة المضاربة
يجب أن يجري على هذه الصكوك شروط المضاربة الصحيحة وهي:
1-كون مجال الاستثمار مباحا.
2-عدم ضمان رأس المال.
3-الاتفاق على نسبة معلومة من الربح.
وينظر: جواب السؤال رقم:(299171)، ورقم: (113852).
ثالثا:
المآخذ على العقد المذكور في السؤال وكيفية تصحيحه
ما جاء في العقد المذكور عليه ملاحظات:
1-قولك: "يحصل المضارب بها على حصة من إجمالى عائد النشاط مثل ٥٪ من العائد عند انتهاء المدة المالية".
الواجب في المضاربة أن يكون لصاحب المال نسبة من الأرباح، وليست نسبة من إجمالي العائد، لأن هذا قد يعني أن صاحب المال يستحق تلك النسبة حتى لو خسر المشروع . وهذا غير جائز.
فإن كان المراد من قولك "إجمالي العائد": أنه "إجمالي الأرباح"، وتريد بـ"العائد": الربح، فلا حرج في ذلك، وهو كلام صحيح، وإن كان الأدق استعمال لفظ "الربح" بدلا من "العائد".
وإن كنت تريد بـ"إجمالي العائد": إجمالي مدخولات المشروع، فهذا غلط، لأن إجمالي المدخولات يشمل الربح، ورأس المال، والواجب ألا يوزع شيء من الأرباح، إلا بعد تحصيل رأس المال، وحفظه؛ فالربح وقاية لرأس المال.
على أننا نقترح أيضا تعديلا آخر لهذه العبارة، بأن يقال، مثلا: توزع الأرباح بواقع 50% لرأس المال – مثلا - ، 50% للمضارِبين، أو ما تراضيتم عليه من النسبة، فهذا أصح، وأبعد من اللبس من العبارة المذكورة.
2-قولك : " في حالة إفلاس المكان يحصل المضارب على القيمة النقدية التي قام بدفعها اول مرة ان امكن. و ان لم يمكن فيحصل على ما يحصل عليه قسمة الغرماء".
وهذا فيه ضمان رأس للمال وهو شرط فاسد.
قال ابن قدامة رحمه الله: " متى شرط على المضارب ( العامل ) ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة ( يعني : جزءً من الخسارة )، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح، نص عليه أحمد، وهو قول أبي حنيفة، ومالك .
وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد المضاربة، والمذهب الأول " انتهى من "المغني" (5/40).
والصحيح أنه إذا خسرت الشركة أو أفلست، خسر أرباب المال أموالهم، وخسر العامل عمله، إلا إذا حصلت الخسارة بتعدي العامل وتفريطه، فيجب أن يصحح هذا الشرط بإضافة قيد وهو:
"في حالة خسارة الشركة أو إفلاسها بتعد أو تفريط من إدارتها، يحصل المضارب على القيمة النقدية...إلخ . وتتحمل الإدارة هذه الخسارة.
ويزاد: فإن لم يكن من الإدارة تعد أو تفريط، فالخسارة على الجميع، يخسر صاحب المال ماله، ويخسر العامل عمله".
2-قولك: " لا يمتلك المضارب أي حق عيني في النشاط".
إذا اشتُريت أشياء عينية من أموال المضاربين تحتاجها الشركة، كسيارات مثلا، فإنها تكون ملكا لهم، وتباع عند فض الشركة، ويكون ثمنها لأصحاب الأموال.
3-قولك: " يحتفظ المكان بحق رفض رد اصل رأس المال عند المدة المالية المذكورة فى بعض الحالات...".
عقد المضاربة عقد غير لازم، فيجوز لأي طرف فسخه، إلا إن قُيِّدت المضاربة بمدة، فيجب البقاء إليها، عند بعض أهل العلم، دفعا للضرر؛ فإذا انتهت المدة، فلا وجه لمنع من يريد الخروج من أخذ ماله.
ثم عدم تحديد أمد لأخذ المال فيه غرر وضرر على صاحب المال.
وأيضا فتأخير المال عن نهاية المدة، يلزم منه الاستفادة من مال الشخص بعد خروجه من المضاربة، وحرمانه من الربح الحاصل في تلك المدة؛ وهذا ظلم لصاحب المال، وعدوان على حقه.
وما ذكرته من احتمال أن يترتب على سحب الأموال اختلال للنشاط أو أن يؤدى لضرر بالغ، فعلاجه بالنص على أن من أراد الخروج من الشركة، فعليه أن يطلب ذلك قبل نهاية المدة بثلاثة أشهر مثلا.
وعليه؛ فيلزم تصحيح هذا العقد، سواء كانت الشركة لم تبدأ أو بدأت في العمل.
والله أعلم.
تعليق