الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

هل يشعر أهل الجنة بالملل حيث أنهم خالدون فيها؟

418030

تاريخ النشر : 17-01-2023

المشاهدات : 16040

السؤال

مرحبا أنا مسلم، عمري 14، أفكر كثيرا في فكرة الخلود في الجنة، هذا مخيف كثيرا بالنسبة لي، فكروا قليلا في هذا الكلام، خلود في الجنة ستعيش إلى مالا نهاية، ستفعل كل شيء تريده، لكن هذا سينتهي يوما ما، وفي ذلك اليوم ستشعر بملل دائم، فأنت خالد، إذا ما فائدة كل ما نفعله، الآن الجنة عذاب إن فكرت فيها هكذا، أفكر كثيرا أنني أريد أن أختفي من الوجود، لكن هذا ليس حلا، حتى إن أمكنني القيام بذلك، لم أتكلم مع أحد عن هذا، أشعر أنه سأفقد عقلي، وشعور بالاكتئاب، فالجنة ليست النهاية السعيدة التي نعتقدها، لا توجد نهاية سعيدة في هذا العالم، أريد أن أنسى فكرة الخلود في الجنة، لكنني أتذكرها أحيانا، وأشعر باكتئاب أكثر، أريد جوابا مباشرا، وليس جوابا من القرآن.

الجواب

الحمد لله.

لا شك أن الملل من المشاعر المؤلمة، حتى روي عن عمرو بن العاص قوله: "إن الملل من كواذب الأخلاق" ذكره ابن هبة الله في المجموع اللفيف" (ص77).

والسؤال: ما الذي يجعلك تظن أن شعورًا مؤلمًا كالملل سيوجد في الجنة؟

كل نعيم مما يوجد في الجنة، وبينه وبين الدنيا نعيم شبه؛ فإن الوحي كان حريصًا على بيان أن نعيم الجنة يأتي خالصًا سالمًا من أي جانب مؤلم يوجد في الشبيه الدنيوي لهذا النعيم.

فلما ذكر الله الخمر من نعيم أهل الجنة قال سبحانه: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ الواقعة/19

يقول ابن عطية: "ذهب أكثر المفسرين إلى أن المعنى: لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا...

وقوله: ولا ينزفون قال مجاهد وقتادة وابن جبير والضحاك معناه: لا تذهب عقولهم سكرا، والنزيف: السكران" انتهى، من "المحرر الوجيز" (5/242).

فأنت ترى هنا نعيمًا أخرويًا، بينه وبين واحدة من لذات الدنيا شبهٌ وهو الخمر، وقد يفكر واحد من الناس فيقول: لا أريد أن أتنعم بالخمر، فلا أريد صداعها ولا أحب ذهاب العقل الذي تحدثه، فبين لنا سبحانه أن المشترك بين هذين النعيمين: هو الاسم فقط، وأننا نأخذ في خمر الآخرة لذة خالصة، ليس معها أي أذى أو تنغيص نظير ذلك الأذى والتنغيص الذي لا تخلو منه لذة من لذات الدنيا.

ولما ذكر الله سبحانه تنعم أهل الجنة بزوجاتهم فيها، قال وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة/25
ذكر مجاهد وعطاء وغيرهما أنها مطهرة من الحيض والبول والمني.

فانظر؛ كيف أن تنعم الرجل بزوجته في الجنة، لا ينغصه شيء من منغصات العلاقة الخاصة بين الزوجين في الدنيا، أو ما يعافه الرجل من امرأته؛ بل النعيم بذلك في الجنة، لا شوب فيه من نقص ولا كدر، ولا تنغيص.

 وهكذا الأكل والشرب؛ قد أزال الله عن نعيمه كل منغصاته الدنيوية، مثل عمليات الإخراج وحتى الجشاء، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، ولكن طعامهم ذلك جشاء، ورشح كرشح المسك، يُلهمون التسبيح والتحميد، كما تلهمون أنتم النفس رواه مسلم (2835).

فالله سبحانه الذي أزال عن لذة الخمر كل أشكال تنغيصها، وأزال عن لذة الجماع كل أشكال تنغيصها؛ وأزال عن لذائذ الأكل والشرب كل أشكال تنغيصها؛ هل تظن أنه سيعطينا الخلود في النعيم الأخروي، ثم يعطينا معه منغصًا مزعجًا من منغصات الدنيا كالملل؟!

لا يا أخي. اطمئن لن يكون هذا، فالله سيعطينا - متى تكرم علينا وتفضل، ومنَّ علينا بجنته - ما تشتهي أنفسنا، نعيمًا لذيذًا خالدًا، لا ملل معه، ولا تنغيص؛ بل لذائذ متجددة، لا آخر لها، ولا ملل معها، نسأل الله لنا ولك جنة النعيم وخلدها. فإن الإنسان إذا مل من شيء أراد أن يتحول عنه إلى غيره، وقد أخبر الله تعالى أن أهل الجنة راضون بها، مطمئنون إليها، متعلقون بها، لا يطلبون تحولا عنها، ولا بدلا منها. قال الله عز وجل: (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) الكهف/108.

يقول ابن كثير: "تنبيه على رغبتهم فيها، وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنًا ولا رحلة ولا بدلا" انتهى، من "تفسير القرآن العظيم" (3/108).

واعلم أخي الكريم أن هذه الأفكار هي من تنغيص الشيطان وتحزينه لك، فهو يجعلك تظن الجنة مثل الدنيا يعتري فيها الإنسان نفس المشاعر المؤلمة، والمنغصات المحزنة التي توجد في الدنيا، وهذا لأنه يحسدك على هذه الفرصة التي فاتته، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا أتتك هذه الأفكار فقل لها لا. لن تخدعيني؛ فالملل مؤلم مزعج، وليس في الجنة حزن ولا ألم؛ فأهل الجنان كما قال الله: لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يونس/62.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب