الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

كيف نوفق بين اتباع المشركين لمعبوداتهم يوم القيامة والآيات الدالة على إعراضها عنهم؟

423490

تاريخ النشر : 13-06-2023

المشاهدات : 4148

السؤال

ذكر في "صحيح البخاري" (إذا كان يومُ القيامةِ أذَّن مُؤذِّنٌ لتتبَعْ كلُّ أمَّةٍ ما كانت تعبُدُ، فلا يبقَى أحدٌ كان يعبُدُ غيرَ اللهِ من الأصنامِ والأنصابِ إلَّا يتساقطون في النَّارِ). كيف نوفق بين اتباع المشركين لما كانوا يعبدون من دون الله، وبين إعراض الأصنام وغيرها من الطواغيت عن الكفار، وجحد من كان يشركهم بعبادة الله، كما في الأمثلة في الآيات التالية: (كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) سورة مريم، وقوله تعالى: (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) سورة الكهف. (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ 73 مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ 74 ذَٰلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ 75 ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) سورة غافر؟

الجواب

الحمد لله.

مواقف يوم القيامة هي مواقف متعددة، تبدأ بالبعث، ثم حشر الناس لساحة الحساب، ثم طول المقام حتى يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ الحساب والميزان، وتطاير الصحف، وحشر من يحشر إلى النار، ثم مرور أهل الإسلام على الصراط، ثم نزول الناس منازلهم من الجنة أو النار.

وقد سبق تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (220511)، وطالع للفائدة جواب السؤال رقم: (241665).

والنصوص في هذه المواقف أحيانا ترد مجملة، وأحيانا مفصلة؛ فيفهم المجمل على ضوء المفصل.

والذي يظهر، والله أعلم: أن تمايز الناس حسب معبوداتهم في ساحة الحساب: لا يتساقط بعده الكفار في النار مباشرة، بل يحاسبون، ويلامون على كفرهم، وتقام عليهم الحجة قبل أن يساقوا إلى النار.

كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: (هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ! فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا! فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا! فَيَتَسَاقَطُونَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ ... ) رواه البخاري (7439)، ومسلم (183).

وفي هذا الحساب تنطق المعبودات التي عبدت ، بغير حق ، من دون الله ؛ تنطق منكِرة على عابديها الذين يزعمون أنهم عبدوها، فالاتباع حاصل من الكفار، والإنكار حاصل من المعبودات، فلا تناقض بين الأمرين.

كما قال الله تعالى:

( يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ) الفرقان/17 – 19.

فالكفار يدعون معبوداتهم، وهي منكرة لهم غير مستجيبة.

كما في قوله تعالى:

(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) الكهف /52.

وكما في قول الله تعالى:

( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ) يونس/28 - 29.

قال الواحدي رحمه الله تعالى:

" قال المفسرون: فرقنا بين المشركين وبين شركائهم من الآلهة والأصنام، وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده، وهو قوله تعالى: ( وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ )، قال ابن عباس: أنكروا عبادتهم.

قال مجاهد: يقول ذلك كل شيء يعبدون من دون الله، يعني: أن الله تعالى ينطق الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون.

قوله تعالى: ( فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) الآية، هذا من كلام معبوديهم، لما تبرؤوا منهم قالوا: يشهد الله على علمه فينا ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين؛ لأنه لم يكن فينا روح وما كنا نسمع ولا نبصر " انتهى من "البسيط" (11 / 182 - 183).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقال في هذه الآية إخبارا عن قول الشركاء، فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم: ( فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ )، أي: ما كنا نشعر بها ولا نعلم، وإنما أنتم كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا، ولا أمرناكم بها، ولا رضينا منكم بذلك.

وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عنهم شيئا " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/265).

ويقر الكفار بضلالهم ويأسهم من معبوداتهم بعد دخولهم النار.

كما في قوله تعالى:

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) غافر/69 – 74.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب