الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم تقليد المشاريع القديمة بسبب تقصير المعلم وتعنته؟

429627

تاريخ النشر : 08-01-2024

المشاهدات : 1673

السؤال

لقد توظفت بوظيفة مرموقة بشهادتي البكالوريوس، والحمد لله تعالى، لم أغش بالجامعة أبد،ا كنت ولازلت مجتهدا، مرت الأيام وجهة عملي أرسلتني لأمريكا للحصول على الماستر، وتحسين خبرتي وترقيتي، وفي الفصل الأول كانت لدي 3 مقررات، اثنان منها تدرس بأمانة، ولها موارد علمية، وتخطيتها باجتهاد، المادة الثالثة أستاذها صاحب نفوذ، ولا يقوم بتدريسنا، بل يغيب، ولا يدرسنا، ومع ذلك يطلب مشاريع صعبة، واختبارات صعبة، والمادة بنظام أطروحة أستاذ المقرر، وليس لها مرجع، والطلاب يتخطونها سنويا بالاعتماد على نماذج قديمة يدرسونها، ويعدلونها، لذلك لا أحد يساعدني في قضيتي أمام هذا الدكتور. فأنا أمام خيارين: 1. أعلم علم اليقين بأني سأرسب إن لم أفعل مثلهم، وإن فعلت مثلهم بدراسة الاختبارات القديمة، وتقليد المشاريع القديمة، هل يعتبر ذلك غشا؟ علما أنى مضطر لذلك؛ بسبب ظلم الأستاذ، وإهماله للتدريس، كونه يعمل في شركة تدعم الجامعة، والتدريس شكليات بالنسبة له، لا أريد أكل الحرام، وبنفس الوقت لا أريد خسارة عملي بسبب الرسوب في مقرر بسبب فساد أستاذ المقرر؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

أحسنت في حرصك وتحريك للمال الحلال، زادك الله هدى وتقى وفتح لك أبواب الخير.

ثانياً:

لا حرج في دراسة الاختبارات والمشاريع القديمة، والاستفادة منها في عمل المشروع المطلوب، في حدود ما تسمح به الجامعة من الاقتباس ونحوه، ولا يعد ذلك غشا.

وأما أخذ مشروع قديم، وتعديل بياناته مثلا، فإن كان لا يسمح به في الجامعة-وهو الظاهر- فإنّ عمله يدخل في الغش المحرم.

وقد قال تعال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ‌وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الأنفال/ 27.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:  مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا رواه مسلم (101).

وكون الإنسان يظهر إنجاز عمل لم يعمله، من الذنوب العظيمة التي جاء الوعيد عليها في الكتاب والسنة.

قال الله تعالى:  لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ ‌يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  آل عمران/18.

قال الشيخ السعدي رحمه الله: "‌ويحبون ‌أن ‌يحمدوا بما لم يفعلوا أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه" انتهى.

وروى مسلم من حديث ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:  وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً ‌لِيَتَكَثَّرَ ‌بها لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً مسلم (110).

وفي الحديث الآخر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ رواه البخاري (4921).

قال ابن علان: "ومعناه: أن يظهر أنه حصل له فضيلة، وليست حاصلة.

(ولابس ثوبي زور)؛ أي: ذي زور، وهو الذي يزوِّر على الناس، بأن يتزيَّا بزي أهل الزهد أو ‌العلم أو الثروة، ليغتر به الناس، وليس هو بتلك الصفة. وقيل غير ذلك والله أعلم" انتهى من "دليل الفالحين شرح رياض الصالحين" (8/ 391).

وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: "عملُ المتشبع بما لم يعطَ: باستئجار المملقين لتحقيق التراث، وإخراجه بتحقيق المستأجِر، ولم يَخُطَّ قلمهُ حرفاً، ولم يُشرف على أصل ولا حاشية، فرحم الله أهل الحياء، وأعان على قمع هؤلاء المتسولين" انتهى من "الرقابة على التراث ضمن المجموعة العلمية" (ص:300).

ثالثاً:

إذا كان الأمر كما ذكرت من كون مدرس المادة يغيب ولا يدرّس، ويطلب مشاريع صعبة، واختبارات صعبة، وليس للمادة مرجع، وأن الطلاب لا يتجاوزون المادة إلا بما ذكرت؛ فنرجو أن يسعك أن تفعل ما يفعل الناس، وتدفع عن نفسك الضرر الظاهر، بما يمكنك؛ وقد قال الله تعالى:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16

ثم ينبغي عليك أن تبذل ما تستطيع من الجهد في الدراسة والفهم والإتقان لما هو متاح في هذه المادة ومشروعها.

رابعاً:

من حصل منه الغش في اختبارات الدراسة ومشاريع التخرج، ثم عمل بشهادته، فهو على ضربين:

الأول: الذي لا يحسن ما وكل إليه من صنعة أو عمل، فهذا راتبه حرام، ولا يجوز له ممارسة المهنة التي غش في شهادتها ولا يحسنها؛ لما في ذلك من إضرار بالآخرين، على مستوى الأفراد أو المشاريع.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: من تطبَّب ولم يُعلم منه طبٌّ قبل ذلك فهو ضامنٌ أبو داود (4586)، والنسائي (4830)، وصححه الألباني "صحيح النسائي" (4491).

قال ابن القيم رحمه الله: "وقوله صلى الله عليه وسلم: (‌مَنْ ‌تَطَبَّبَ) ولم يقل: "من طبَّ"؛ لأن لفظ التفعُّل يدل على تكلف الشيء، والدخول فيه بعسر، وكلفة، وأنه ليس من أهله" انتهى من "زاد المعاد" (4/127).

الثاني: أن يكون ممن يحسن صنعته التي أوكلت إليه في عمله، فهذا يجوز له العمل وراتبه حلال، وعليه التوبة مما حصل منه من الغش أثناء دراسته.

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " رجل يعمل بشهادة علمية وقد غش في امتحانات هذه الشهادة، وهو الآن يحسن هذا العمل بشهادة مرؤوسيه، فما حكم راتبه هل هو حلال أم حرام؟

فأجاب: " لا حرج إن شاء الله، عليه التوبة إلى الله مما جرى من الغش، وهو إذا كان قائماً بالعمل كما ينبغي، فلا حرج عليه من جهة كسبه؛ لكنه أخطأ في الغش السابق، وعليه التوبة إلى الله من ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (19/31).


والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب