الحمد لله.
الصدقة الجارية هي الوقف ، وله صور كثيرة ، وضابطه: أن يحبس الأصل ، وتُسبّل الثمرة ، كما روى البخاري (2737) ومسلم (1633) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ ؟ قَالَ : "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا " قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ ".
وروى ابن ماجه (242) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره ، وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن السبيل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته" والحديث حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فالصدقة الجارية تكون ببناء مسجد ، أو شراء مصاحف توضع في مسجد ، أو وقف بيت أو محل ، على أن يصرف ريعهما على الفقراء أو الأيتام أو الأقارب أو طلبة العلم أو غيرهم حسبما يحدد الواقف ، أو المساهمة بمال في بناء مستشفى خيري ، ونحو ذلك .
وأما الصدقة غير الجارية ، فهي التي لا يحبس فيها الأصل ، بل يعطى للفقير ليتملكه وينتفع به كما يشاء ، كأن يعطى له مال ، أو طعام ، أو كسوة ، أو دواء ، أو فراش .
ومن وقف مسجدا فانهدم أو خرب ، جاز بيع بعضه ليُعمّر بقيته ، فإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع كله ، ووضع في وقف آخر ، قال ابن قدامة رحمه الله :
( مسألة قال : ( وإذا خرب الوقف , ولم يرد شيئا , بيع , واشتُري بثمنه ما يُردُّ على أهل الوقف , وجعل وقفا كالأول , وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو , بيع , واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد ) وجملة ذلك أن الوقف إذا خرب , وتعطلت منافعه , كدار انهدمت , أو أرض خربت , وعادت مواتا , ولم تمكن عمارتها , أو مسجد انتقل أهل القرية عنه , وصار في موضع لا يصلى فيه , أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه . أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه , جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته . وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه , بيع جميعه . قال أحمد , في رواية أبي داود : إذا كان في المسجد خشبتان , لهما قيمة , جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه . وقال في رواية صالح : يحول المسجد خوفا من اللصوص , وإذا كان موضعه قذرا . قال القاضي : يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه . ونص على جواز بيع عرصته , في رواية عبد الله , وتكون الشهادة في ذلك على الإمام ) انتهى من المغني 5/368
وما دام الوقف باقيا ، فالثواب مستمر لصاحبه ، وكذا لو بيع الوقف ووضع في وقف آخر .
ومن بنى مسجدا فله ثواب موعود به ، وهو ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة "
والقطاة : نوع من أنواع الطير .
والمفحص : هو المكان الذي تحتضن فيه بيضها .
ومراد الحديث ضرب المثل لبيان أقل ما يمكن . رواه أحمد (2157) وصححه الألباني في صحيح الجامع .
والله أعلم .
تعليق