الحمد لله.
السائلة الكريمة،
تحية طيبة، وبعد؛
فإن أهم ما نبدأ به رسالتنا إليك، وفرحتنا بإقبالك، ورغبتك في دين الله، وهداه: أن نقول لك: لا تتأخري لحظة .. أكثر من ذلك ؛ فالآن، وعلى وجه السرعة ، ومبادرة أنفاس الحياة: هلمي؛ وانطقي بالشهادتين:
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله .
وبذلك: تدخلين الإسلام، وتصبحين على هدى من الله، وقد هجرت الباطل وأهله!
ثم زيدي، لتتم لك النقلة العظيمة، وتقطعي عنك ما كنت فيه من ماضي الدين الباطل:
وأشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ...
فعيسى عليه السلام: هو نبي الله، ورسوله، وهو من أولي العزم من الرسل، ومن عباد الله المصطفين الأخيار؛ وكلمته التي ألقاها إلى مريم عليها السلام، فوُلِد، عبدا صالحا، وبشرا من بني آدم؛ لكنه اختلف عنهم في أنه خُلِق من أم، بلا أب؛ كما أن أبا البشر آدم عليه السلام، خلقه الله بكلمته (كُنْ)؛ فكان بشرا، وخلقا سويا، ولا أب له، ولا أم.
قال الله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ آل عمران/59-60 .
ونرجو أن تطالعي للأهمية جواب السؤال رقم (434694) ورقم (232218).
***
لقد قلت لنا في سؤالك: "إن الموضوع كبير جدا .."!!
ونعم؛ لقد صدقت .. إنه كبير .. وكبير جدًّا .. إنه أكبر شأن مر بك منذ أن رأيت هذه الحياة ... إنه أعظم، وأهم قرار تتخذينه في حياتك كلها؛ إنه قرار:
أن تبدئي الحياة ... من جديد!!
نعم، هكذا وصف رب العالمين القضية كلها، بإنها إما "حياة" بروح الإيمان .. ونوره، وهداه .. وإما موت .. موت القلب .. موت الروح ...
قال الله تعالى في القرآن العظيم: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَالأنعام/122
قال ابن كثير، رحمه الله في تفسير هذه الآية (3/320): " هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا، أي: في الضلالة، هالكا حائرا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله. وجعلنا له نورا يمشي به في الناس أي: يهتدي به كيف يسلك، وكيف يتصرف به.
والنور هو: القرآن!". انتهى.
أوليس الفرق بين "الميت، الأعمى" و" الحي، البصر ": كبيرا؛ جِد كبير، وعظيما كل العِظَم؟!
وقد قال الله عز وجل في سورة أخرى من كتابه الكريم، مبينا عِظم ذلك الفرق بين الأمرين: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ فاطر/19-23 .
يقول الشيخ السعدي، رحمه الله: " فكما أنه من المتقرر عندكم، الذي لا يقبل الشك، أن هذه المذكورات لا تتساوى، فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية أولى وأولى.
فلا يستوي المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضال، ولا العالم والجاهل، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها، فبين هذه الأشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فإذا علمت المراتب، وميزت الأشياء، وبان الذي ينبغي أن يتنافس في تحصيله من ضده، فليختر الحازم لنفسه، ما هو أولى به وأحقها بالإيثار." انتهى، من "تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن" (688).
ولقد سبقك أخوات لك على هذا الدرب المجيد .. درب الهدى إلى الدين الجديد؛ كن على نفس دينك القديم، فاهتدين، وتبصرن بهدى الله.
وفي هذه الأجوبة تجدين بعض التجارب السابقة، وتجدين أمورا مهمة لك، ونصائح لا بد لك من تدبرها جيدا. فاقرئي جواب سؤال (مسيحية تشعر بالحيرة وتسأل عن الإسلام وكيف تصل إلى الطريق الصحيح ) وجواب سؤال (نصرانية تريد الدخول في الإسلام ولكنها خائفة مما قد يترتب على ذلك ) و(نصرانية ، ترى في المنام أنها في المسجد ، وترى القرآن ينير الطريق !!).
***
لكن هذا الأمر "الكبير"، "الخطير"، الذي تصفين، هو في الوقت نفسه:
يسير ... يسير جدا؛ على من يسره الله عليه.
ومتى أراد الله بعبده خيرا، فتح أقفال قلبه للإيمان، وشرح صدره لنوره ... وهداه.
قال الله تعالى:فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَالأنعام/125 .
أرأيت هذه النقلة العظيمة، من الموات .. إلى الحياة ، من الظلمات إلى النور ، من الضلال والعمى ... إلى الهداية والبصر؛ تحتاجين فقط إلى أن تنطقي بالشهادتين، كما علمناك في أول الجواب، مخلصا بها قلبك، مصدقا لها .. وها قد عبرت الخطر .. بسلام!!
في إحدى المرات، كان أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على مقرُبة منه؛ فانتهز الفرصة وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجاة .. النجاة التي ينشدها كل عبد ناصح لنفسه .. خائف من المصير يوم يقوم الناس لرب العالمين:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ ، وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ؟
قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ:
تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا.
وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ.
وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ.
وَتَصُومُ رَمَضَانَ.
وَتَحُجُّ البَيْتَ».
إلى هنا، وفي هذه الفقرة "التأسيسية": انتهت "المرحلة الأولى" من جواب سؤال : "كيف النجاة"؛ وإلى هنا، وقد سألت عن الأمر الخطير .. العظيم؛ أن تعلمي أن نجاتك في توحيد الله جل جلاله، واتباع نبيه محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.
ثم أهم ما تحتاجينه الآن: أن تبدئي في معرفة : (أركان الإسلام).
وفي جواب السؤال رقم (13569) تجدين شرحا مختصرا لها.
في نفس القصة الجميلة السابقة، قصة سؤال معاذ بن جبل لنبيه صلى الله عليه وسلم عن "طريق النجاة"، يبدأ الجواب بالأركان العظيمة الأساس في معرفة الدين، وممارسته ..
ثم انتقل إلى مرتبة أعلى من السابقة، يترقى فيها العبد في مراقي العبودية إلى رب العالمين:
ثُمَّ قَالَ:
أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ.
قَالَ: ( ثُمَّ تَلَا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ [السجدة: 16]، حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] ) .
دله النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأركان والفرائض الأولى، إلى أبواب من نوافل الخير، والتطوعات، يحتاجها زادا له في الطريق؛ يحتاج أن يصوم تطوعا لله، فهو "جُنَّة"؛ أي: وقاية، وحفظ، وستر؛ من ماذا؟ من عذاب الله، ومن النار، ومن الشياطين، ومن فعل المعاصي؛ إنه "جُنة" تحميك في الطريق.
ويتصدق من ماله الزائد على المساكين، والمحتاجين؛ فبهذه الصدقات، تنطفئ نيران المعاصي، والخطايا، ويكفر الله عنا السيئات.
وصلاة التطوع لله في جوف الليل، أي: وسطه، أو آخره.
ثم انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة ثالثة من تعاليمه:
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ .
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ: الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ .
[رواه الترمذي (2616) وغيره، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
لن تحتاجي إلى ذلك كله الآن ...
ربما تعجزين عن "تعلمه" كله .. وهذا مفهوم؛
ربما تعجزين عن "العمل" به كله .. وهذا مفهوم أكثر ؛
لكن يا أمة الله، لا يُهوِلَنّ عليك الشيطان، ولا يصعبن عليك الطريق؛ فقط قفي عند آخر كلمة في الحديث: رأس الأمر: الإسلام. وعموده: الصلاة .. ؛ وأما "الجهاد" فليس من شأنك، ولا من واجبك؛ هذا شأن الرجال.
متى نطقت الشهادتين، فقد دخلت في الإسلام، فتعلَّمي الآن ما يلزمك من الطهارة من النجاسات، أو كيف تغتسلين من الحيض وغيره، إذا احتجت إلى الاغتسال، وتعلمي كيف تستعدين بالوضوء للصلاة، وتعلمي الصلاة تعليما مبسطا،ويمكنك الاستعانة بالروابط التالي ففيها شرح وتبسيط لذلك ويرجى النظر فيها للأهمية : (صفة الصلاة) (تعليم الصلاة للمسلمين الجدد) (كيفية الصلاة مع كيفية الوضوء)
عجزت اليوم .. ضاق عنك اليوم، لم تجدي الطريق لتتعلمي: كيف الطهارة، كيف الصلاة .. كيف .. كيف ...
سوف تتعلمينه، إن شاء الله، ولو بالتدريج، ولو بحسب استطاعتك؛ والحريص يُعان، وها قد دخلت الإسلام، فلا تبتأسي، ولا يحزُنك الشيطان، ولو مت قبل أن تتمكني من تعلم ما يلزمك، أو العمل به؛ فأنت على خير .. ونجاة ... فلا تحزني ... ولا تعجزي ... ولا تتأخري!!
لكن تعلمي، مع ذلك كله، كيف تمارسين عبادتك، ودينك الجديد، من غير أن توقعي نفسك في الأخطار، أو ورطات الأمور.
وراجعي للأهمية الأجوبة التالية: (أسلمت سراً وتخشى انكشاف أمرها بسبب الصلاة ) و(مسلمة سراً وتضطر إلى ترك الحجاب وصوم رمضان )، و(فتاة تريد أن تسلم وتخفي إسلامها ، فكيف تتعامل مع الصلاة والحجاب وأكل لحم الخنزير ؟).
وفي كل جزئية، تحتاجين إلى معرفتها ، أو سؤال تحتاجين إلى جوابه عن دين الإسلام، سوف تجديننا على أُهبة الاستعداد لمساعدتك، وإعانتك بما تحتاجين إلى تعلمه؛ فلستِ وحدَك .. في الطريق.
شرح الله صدرك للإسلام، وهداك، وثبَّتك، وأمَّنك من كل ما تخافين، وكتب لك النجاة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
تعليق