الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل كي قرحة عنق الرحم ينافي التوكل وحديث السبعين ألفا؟

457313

تاريخ النشر : 27-11-2023

المشاهدات : 1811

السؤال

هل كي قرحة عنق الرحم ضمن الكي المنهي عنه، والداخل ضمن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يدخلُ مِن أمَّتي الجنَّةَ سبعونَ ألفًا بغيرِ حسابٍ، همُ الَّذينَ لاَ يسترقونَ ولاَ يكتَوونَ، ولا يَتطيَّرونَ وعلى ربِّهم يتوَكَّلونَ)؟ لأنني منذ سنة أعاني من قرحة عنق الرحم، وأخذت علاجا، لكنها لم تشفَ نهائيا، والآن عادت لي من جديد، والطبيبة أخبرتني إن لم تستجب للعلاج فإنها تحتاج إلى كي، ولا أعلم ما هو نوع الكي الذي سوف تستخدمه.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ثبت النهي عن الكي فيما روى البخاري (5680) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ) .

وروى البخاري (5702)، ومسلم (2205) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ).

وجاء ما يفيد أن طلب الكي مناف للتوكل، كما في الصحيحين من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ)، قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ، وَلَا يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رواه البخاري (6472)، ومسلم (218) واللفظ له .

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى بعض أصحابه.

قال الحافظ ابن حجر: " وقد أخرج مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: رُمي سعد بن معاذ على أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طريق أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه، وروى الطحاوي وصححه الحاكم عن أنس قال: كواني أبو طلحة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصله في البخاري وأنه كوي من ذات الجنب، وعند الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة" انتهى من "فتح الباري" (10/ 155).

قال ابن القيم رحمه الله : " فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع : أحدها : فعله ، والثاني : عدم محبته له ، والثالث : الثناء على من تركه ، والرابع : النهي عنه . ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى فإنّ فعله يدل على جوازه ، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه ، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفا من حدوث الداء والله أعلم" انتهى من "زاد المعاد" (4/64).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وحاصل الجمع: أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع، بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه، وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقا إلى الشفاء، والله أعلم" انتهى من "فتح الباري" (10/155).

وينظر جواب السؤال رقم: (42582).

والأظهر أن الكي المنافي للتوكل: هو كي الصحيح لئلا يعتل.

قال ابن قتيبة رحمه الله: " والكي جنسان : أحدهما كي الصحيح لئلا يعتل ، كما يفعل كثير من أمم العجم، فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم ، يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة، ويدفع عنهم الأسقام...

وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها، وتفعل شبيها بذلك في الإبل إذا وقعت النُّقبة فيها، وهو جرب ، أو العُرُّ، وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها ، فتعمد إلى بعير منها صحيح، فتكويه، ليبرأ منها ما به العر أو النقبة ، وقد ذكر ذلك النابغة في قوله للنعمان :

فحمَّلْتني ذنبَ امرئ، وتركتَه * كذي العُرِّ يُكوى غيره وهو راتعُ

وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه : ( لم يتوكل من اكتوى)؛ لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيحٌ، يدفع عنه قدر الله تعالى ، ولو توكل عليه، وعلم أن لا منجا من قضائه لم يتعالج وهو صحيح ، ولم يكوِ موضعا لا علة به، ليبرأ العليل .

وأما الجنس الآخر: فكي الجرح إذا نَغِل، [أي فسد]، وإذا سال دمه فلم ينقطع ، وكي العضو إذا قطع، أو حسمُه ، وكي عروق من سَقَى بطنُه وبدنُه ... وهذا هو الكي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن فيه الشفاء ، وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه، وليس هذا بمنزلة الأمر الأول ، ولا يقال لمن تعالج عند نزول العلة به: لم يتوكل ؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعالج، وقال: "لكل داء دواء"، لا على أن الدواء شاف لا محالة، وإنما يُشرب على رجاء العافية من الله تعالى به ؛ إذ كان قد جعل لكل شيء سببا " انتهى من "تأويل مختلف الحديث" ص 329

وعليه ، فكي العضو المريض لا ينافي التوكل، لكن يكره لما فيه من التعذيب إلا أن لا يوجد علاج غيره، أو يكون كيا بلا ألم، كما هو الحال مع البنج.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (121183).

ثانيا:

كي عنق الرحم، لا يدخل في الكي المنهي عنه، ولا ينافي التوكل؛ لأنه علاج من علة، وليس كيا لعضو صحيح.

وإذا لم يصاحب كي هذا الموضع ألم؛ إما لأن نوع "الكي" المستخدم فيه: لا  يؤلم أصلا، كما في بعض تقنيات الكي المستعملة، أو لعدم وجود أعصاب حسية في هذا الموضع – إن صح ذلك، بحسب ما أفاد بعض المختصين- فلا تعذيب في هذا الكي، ولا حرج في إجرائه.

وينظر للفائدة: "الحاشية الطبية على المتون الحنبلية" د. محمد إبراهيم فرحات (380) وما بعدها.

وإذا صاحبه ألم "الكي"؛ فقد  سبق أن الكي الممنوع، على القول الراجح: هو كي أهل الجاهيلة، فلا يمنع من احتاج إلى "الكي"، أو تعين طريقا لعلاج علته: من إجرائه، ولا ينافي توكله على الله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب