الحمد لله.
الكشف عند أهل السنة نوع من الخوارق، وذلك بأن يسمع الشخص مالا يسمعه غيره، أو يرى ما لا يراه غيره، أو أن يعلم ما لا يعلمه غيره، إما من طريق الوحي والإلهام، وهذا للمؤمن، وقد يكون كرامة من الله لعبده، وقد يحصل للنفس نوع من الكشف، إما يقظة وإما مناماً بسبب قلة علاقتها مع البدن، إما برياضة أو بغيرها، وهذا هو الكشف النفساني، وهذا مشترك بين المؤمن والكافر.
وينظر: "الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية" لمؤلفه: آمال بنت عبد العزيز العمرو، ص 463، "الصفدية"، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/187).
فالكشف نوع من الخوارق، أي خوارق العادة، فالعادة والأصل أن الإنسان لا يعلم شيئا من الغيب، فيخرق الله هذه العادة، ويطلع من شاء من عباده على شيء من الغيب، معجزة لنبي، أو كرامة لولي.
وقد يقع ذلك لغير المؤمن، بالجوع والسهر وملازمة الخلوة وترك الاستكثار من الطعام والشراب.
ومن أمثلة الكشف: أن يعلم أن جيش المسلمين سينتصر أو سينهزم، أو أن فلانا الغائب قد مات اللحظة، أو قدم .
وليس الكشف أمرا قطعيا، بل قد يصيب ويخطئ.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأما خواص الناس فقد يعلمون عواقب أقوام بما كشف الله لهم. لكن هذا ليس مما يجب التصديق العام به، فإن كثيرا ممن يظن به أنه حصل له هذا الكشف يكون ظانا في ذلك ظنا لا يغني من الحق شيئا.
وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة؛ ويخطئون أخرى؛ كأهل النظر والاستدلال في موارد الاجتهاد؛ ولهذا وجب عليهم جميعهم أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يَزِنوا مواجيدهم ومشاهدتهم وآراءهم ومعقولاتهم بكتاب الله وسنة رسوله؛ ولا يكتفوا بمجرد ذلك؛ فإن سيد المحدَّثين والمخاطبين الملهمين من هذه الأمة هو عمر بن الخطاب؛ وقد كانت تقع له وقائع، فيردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صِدّيقُه التابع له الآخذ عنه، الذي هو أكمل من المحدَّث الذي يحدثه قلبه عن ربه.
ولهذا وجب على جميع الخلق: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته، في جميع أموره الباطنة والظاهرة، ولو كان أحد يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب والسنة، لكان مستغنيا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض دينه" انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 65).
ومن أمثلة الكشف، كما يقول ابن القيم: " كشف أبي بكر لما قال لعائشة رضي الله عنهما: إن امرأته حامل بأنثى، وكشف عمر رضي الله عنه لما قال: يا سارية الجبل، وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن" انتهى من "مدارج السالكين" (3/215).
وينظر: جواب السؤال رقم: (12778).
ومن أمثلة الكشف: ما وقع للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله.
قال السهروردى: كنت عزمت على أن أقرأ شيئا من علم الكلام وأنا متردد، هل أقرأ الإرشاد لإمام الحرمين؟ أو نهاية الإقدام للشهرستاني؟ أو كتاب شيخه؟ فذهبت مع خالي أبي النجيب، وكان يصلى بجنب الشيخ عبد القادر، قال: فالتفت الشيخ عبد القادر، وقال لي: يا عمر! ما هو من زاد القبر، ما هو من زاد القبر!!
فرجعت عن ذلك.
قال شيخ الإسلام: "فأَخبر أن الشيخ كاشفه بما كان في قلبه ، ونهاه عن الكلام الذي كان يُنسب إليه القشيرى ونحوه " انتهى من "الاستقامة" (1/87).
ومن أمثلته: ما جرى للإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله.
قال الضياء المقدسي: "وسمعت الحافظ اليونيني يقول: لما كنت أسمع شناعة الخلق على الحنابلة بالتشبيه، عزمت على سؤال الشيخ الموفق، وبقيت أشهرا أريد أن أسأله، فصعدت معه الجبل، فلما كنا عند دار ابن محارب قلت: يا سيدي، وما نطقت بأكثر من سيدي، فقال لي: التشبيه مستحيل.
فقلت: لم؟
قال: لأن شرط التشبيه أن نرى الشيء، ثم نشبهه، من الذي رأى الله ثم شبهه لنا؟! " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (22/171).
والحاصل: أن الكشف نوع من خوارق العادات، به يطلع صاحبه على شيء من الغيب، فيخبر به، وقد يكون هذا مجرد ظن وليس كشفا ، فيصيب ويخطئ.
والله أعلم.
تعليق