الحمد لله.
لاشك أن الوزر يقع أولا على من ارتكب الحرام ، نظراً أو كتابةً أو حديثاً لكنه يلحق أيضا من أعانه وسهل له ذلك، كما يلحق من رأى المنكر فلم ينكره ، وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 34672 ) بيان حكم العمل في مقهى الإنترنت :
( لا يجوز العمل أو الاستثمار في مقاهي الإنترنت إلا في حال خلوها من المنكرات ، ومن ذلك عدم تمكين الزائرين من الدخول إلى المواقع المحرمة ، بحجبها عنهم ، أو بطردهم عند الإصرار على استخدامها ، وذلك لقول الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم 49
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " الإنكار بالقلب فرض على كل واحد ، وهو بغض المنكر وكراهيته ، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان " انتهى نقلا عن : الدرر السنية في الأجوبة النجدية 16/142
فإذا لم يمكن ضبط هذا المقهى ، ومنع المنكر منه ، فلا يجوز فتحه ، اتقاء للوقوع في الإثم والمعصية
فإذا لم يمكنك إنكار المنكر في هذا المقهى ، فانج بنفسك ، وفارق أصحاب المعصية ، فإنك لا تأمن أن يحل بهم سخط الله وغضبه، وابحث عن عمل مباح ، تجني منه مالا حلالا ، ونذكرك بقول الله تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) النساء/140
قال القرطبي رحمه الله في التفسير : ( قوله تعالى : " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي غير الكفر. " إنكم إذا مثلهم": فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل "إنكم إذا مثلهم" فكل من جلس في مجلس معصية ، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء .
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية .
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب ( أي شدد عليه العقوبة والتعزير ) وقرأ هذه الآية " إنكم إذا مثلهم" أي إن الرضا بالمعصية معصية ، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. اهـ (5 / 418)
ثم إنه يخشى على من عمل في هذه الأماكن أن يضعف إيمانه ، وأن تذهب الغيرة من قلبه ، وربما دعاه الشيطان إلى مقارفة المعصية ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) النور/21 .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته ، وقد قال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 ،3
نسأل الله أن يرزقك عملا حلالا طيبا وأن يبارك لك فيه .
والله أعلم .
تعليق