الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يتحمل مسؤولية وفاة طفله الصغير بسبب تركه يمشي في الشارع وحده؟

493085

تاريخ النشر : 05-03-2024

المشاهدات : 1438

السؤال

رزقت بطفل، واسترده الله تعالى قبل أن يتم أربع سنوات، فأثناء عودتنا من الخارج كان يسير أمامي، وصدمه باص، فهل أنا من قتلته؛ لأنني لم أكن أمسك يده؟ وهل علي دية؟ كنت قاسية عليه بعد نزوله الروضة، كنت أريده أن يقرأ سريعا؛ ليقرأ القرآن وحده، كنت أضربه كثيرا، ومرات على وجهه، وأوقات الضرب يترك أثرا، فهل سيقتص مني يوم القيامة؟ وهل انتزعه الله تعالى مني لقسوتي وعدم رحمتي؟ هل يسمعني عندما أزوره في القبر؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

نسأل الله أن يجعل ولدك فرطا وشافعا لكم يوم القيامة، وأن يكتب أجركم بفقده ويعوضكم خيرا. ويرزقكم ذرية صالحة مباركة.

وقد جاء في فضل من صبر واحتسب على فقد الولد الأجر العظيم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْد) رواه الترمذي (942)، وحسنه الألباني.

ثانياً:

بخصوص ما بدر منك من قسوة وضرب لغرض تعليمه، فعليك الاستغفار عما بدر منك تجاه طفلك.

وعلينا الاستفادة من كل ما مر علينا من تجارب في حياتنا. فما ذكرتِه من قسوتك على الولد الذي لم يبلغ سن التمييز بعد: لا شك أنها في غير محلها -غفر الله لك-.

وإذا كان أهم عمل في الإسلام وهو الصلاة، لم تطلب الشريعة أمره به إلا في سن السابعة، ثم الضرب على التفريط فيه إنما يكون بعد ذلك بزمان، حصلت له الدربة والعادة عليه، ثم أهملها؛ فيؤدب على ذلك الإهمال، إذا بلغ سن العاشرة، بضرب خفيف يحصل به مقصود الزجر والتأديب؛ إذا كان هذا أمر الصلاة؛ فكيف نجرؤ على ضرب طفل في الرابعة على القراءة والتعليم.

وقد حصل ما حصل، وغالبا ما يكون الطفل الأول حقل تجارب للكثير من الآباء والأمهات، لذا عليك استدراك هذا الخطأ بحسن معاملة من يأتي بعده من إخوته، والرفق بتربيتهم حسب الأصول الشرعية، والرفق يخرج أبناء يتحلون بالنجاح والثقة بأنفسهم. والعنف والقسوة بعكسها.

وقد جاء الحث على الرفق والترغيب فيه وبيان آثاره الحميدة في الكثير من النصوص، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العُنْفِ، وما لا يُعْطي على ما سِوَاهُ) رواه مسلم (2593).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخَيْرَ) رواه مسلم (2592).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرِّفْقَ لا يكونُ في شيءٍ إلاَّ زانَهُ، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلاَّ شَانهُ) رواه مسلم (2594).

وينظر جواب السؤال رقم: (272027) .

 ثالثاً:

أما بخصوص ما حصل من تفريط في إطلاق يد الطفل الذي يبلغ أربع سنوات، ولا يستطيع تمييز الخطر المتوقع، فقد اجتمع في هذه الحادثة مباشر -وهو سائق الباص- ومتسبب -وهو أنتِ-.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وإن اجتمع متسبب ومباشر، فإن كان المباشر يمكن تضمينه فعلى المباشر وحده، وإن كان لا يمكن تضمينه، فعلى المتسبب وحده...، وكذلك إذا كان المباشر غير معتدٍ، وكان المتسبب هو المعتدي، وكانت المباشرة مبنية على ذلك السبب، فإن الضمان يكون على المتسبب" انتهى من "الشرح الممتع"(14/91-92).

فعلى ذلك يقال:

إذا قررت الجهات المختصة أن الخطأ على السائق: فليس عليك شيء؛ لأنه الذي وقع في القتل الخطأ.

وإن قررت أنه لم يقع من السائق خطأ، فينظر:

فإن كان المكان الذي أطلقتِ يدك عنه مكان جرت العادة بترك الأطفال فيه يتحركون ويلعبون لوحدهم، فلا شيء عليك لعدم تفريطك.

وإن جرت العادة، في هذا المكان، أن الأطفال – في مثل هذه السن - يكونون بأيدي والديهم لخطورة المكان، فقد حصل منك التفريط، فيكون عليك تبعة القتل الخطأ، وفي هذه الحال يلزمك تبعات القتل الخطأ على ما سنبينه في الفقرة (رابعاً).

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي:

بشأن حوادث السير ....

2- الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات: تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ .

والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار ، سواء في البدن أو المال ، إذا تحققت عناصرها، من خطأ وضرر ، ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية:

أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها ، وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.

ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر، المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة.

ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه ، فيتحمل ذلك الغير المسؤولية " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (العدد 8/ج2/371-372).

رابعاً:

من حصل منه القتل الخطأ – سواء كان ذلك بالمباشرة، أو التسبب الذي يتحمل هو مسؤوليته دون المباشر- : فإن عليه في هذه الحالة الكفارة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

قال الله تعالى:  (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92.

وعلى عاقلة القاتل تحمل الديّة، والعاقلة هم قرابة الإنسان الذكور من جهة أبيه، توزع عليهم حسب قربهم وقدرتهم المالية.

وتكون الدية لورثة الطفل، وهو أبوه في حالتكم، فإن عفا عن الدية: سقطت.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/221-222)" اتفق الفقهاء على أن دية الخطأ تجب على العاقلة...

وعاقلة الإنسان عصبته، وهم الأقرباء من جهة الأب كالأعمام وبنيهم، والإخوة وبنيهم، وتقسم الدية على الأقرب فالأقرب، فتقسم على الإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم، ثم أعمام الأب وبنيهم، ثم أعمام الجد وبنيهم، وذلك لأن العاقلة هم العصبة " انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/221-222).

خامساً:

إن كان الخطأ مشتركا بين أكثر من شخص، فيكون على كل واحد من المتحملين لمسؤولية القتل، من الدية قدر الخطأ الذي وقع منه.

وأما الكفارة، فلا تنقسم عليهم؛ بل على كل واحد كفارة كاملة.

قال الجصاص رحمه الله: "لو قتل عشرة رجلا خطأ؛ كان كل واحد منهم قاتلا في الحكم للنفس؛ يلزمه من الكفارة ما يلزم المنفرد بالقتل" انتهى من "أحكام القرآن للجصاص" (1/ 178).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:"

"إذا اشترك اثنان فأكثر، في قتل الخطأ، فعلى كل واحد كفارة مستقلة ؛ لأن الكفارات لا تتوزع كما نص عليه أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (22/338).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإذا ‌اشترك ‌اثنان في قتل شخص: فعليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما ‌كفارة" انتهى من " الشرح الممتع" (14/ 188).

 سادساً:

ما يتعلق بزيارتك لقبره وهل يسمع الميت خطاب من يزوره، فقد سبق بيانه مفصلا في فتاوى سابقه في الموقع، فيرجع إليها: (111939)، (210114).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب