الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

من سها في تلاوة الأذكار، هل يعيدها؟

499214

تاريخ النشر : 28-04-2024

المشاهدات : 1750

السؤال

هل إذا سهوت بغير عمد في الأذكار هل أعيد ما سهوت عنه ام انه يجزئني وهل أنال أجره؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا سها الإنسان عند تلاوته للأذكار، بمعنى أنه يغفل قلبه ويتحرك لسانه فقط.

فلا شك أن الأذكار ينبغي أن تؤدى بخشوع وخضوع وتدبر، فيجتمع ذكر القلب مع ذكر اللسان.

قال الله تعالى:

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) الأعراف (205).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" الذكر لله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله، فأمر الله عبده ورسوله محمدا أصلا وغيره تبعا، بذكر ربه في نفسه، أي: مخلصا خاليا.

( تَضَرُّعًا ) أي: متضرعا بلسانك، مكررا لأنواع الذكر، ( وَخِيفَةً ) في قلبك، بأن تكون خائفا من الله، وَجِلَ القلب منه، خوفا أن يكون عملك غير مقبول، وعلامة الخوف أن يسعى ويجتهد في تكميل العمل وإصلاحه، والنصح به... " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 314).

لكن الذي يكون ذكره باللسان فقط ويفوته ذكر القلب، فهذا وإن فاته الخير الكثير؛ إلا أنه يرجى له الأجر لقصده للذكر وتحريك لسانه به، وهذا ما يشير إليه عموم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ ) رواه ابن ماجه (3792)، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" ، وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم فقال:

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ ). "فتح الباري" (13 / 499).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" قال القاضي عياض رحمه الله: وذكر الله تعالى ضربان: ذكر بالقلب، وذكر باللسان ...

وأما ذكر اللسان مجردا: فهو أضعف الأذكار، ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث " انتهى . "شرح صحيح مسلم" (17 / 15).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه.

وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل.

فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه: ازداد كمالا " انتهى . "فتح الباري" (11 / 209).

وسُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":

" أردد كثيرا من الأذكار والأوراد الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم باللسان، والقلب مشغول بأشياء أخرى، فهل يجب أن أعقل ما أقول في كل مرة أقول هذه الأذكار؟

الجواب: ‌المشروع ‌تواطؤ ‌القلب ‌مع ‌اللسان حتى يحصل الانتفاع بالذكر؛ لهذا فعليك الاجتهاد في تدبر ما تقولين عند الذكر.

فإن غفل القلب أحيانا عن ذلك: فلا حرج إن شاء الله، ونوصيك بكثرة الاستعاذة بالله من الشيطان عند وجود الوسوسة.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (24 / 244).

لكن المكتفي بذكر اللسان فقط يفوته من فضائل الذكر، وبركاته وآثاره: بقدر ما فاته من حضور القلب، وإقباله على رب العالمين في ذكره، فيفوته فضلٌ وأجرٌ عظيمٌ، فالأجر ينقص بقدر ما ينقص الخشوع والخضوع والتدبر، كما ورد هذا في الصلاة وهي نوع من أنواع الذكر.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَنَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَأَخَفَّ الصَّلَاةَ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ خَفَّفْتَ. قَالَ: فَهَلْ رَأَيْتَنِي انْتَقَصْتُ مِنْ حُدُودِهَا شَيْئًا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنِّي بَادَرْتُ بِهَا سَهْوَةَ الشَّيْطَانِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

( إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا ) رواه أبو داود (796) والإمام أحمد في "المسند" (31 / 189) واللفظ له. وصححه محققو المسند، وحسنه الألباني، حيث قال في "صحيح سنن أبي داود" (3 / 382):

" قلت: حديث حسن. وأخرجه أحمد بإسناد صححه الحافظ العراقي " انتهى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فإن الناس في الذكر أربع طبقات:

(إحداها) الذكر بالقلب واللسان، وهو المأمور به.

(الثاني) الذكر بالقلب فقط، فإن كان مع عجز اللسان: فحسنٌ، وإن كان مع قدرته: فتركٌ للأفضل.

(الثالث) الذكر باللسان فقط، وهو كون لسانه رطبا بذكر الله، وفيه حكاية الذي لم تجد الملائكة فيه خيرا إلا حركة لسانه بذكر الله. ويقول الله تعالى: ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ).

(الرابع) عدم الأمرين، وهو حال الخاسرين " انتهى . "مجموع الفتاوى" (10 / 566).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" ذكر القلب يثمر المعرفة، ويُهيِّج المحبة، ويُثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات.

وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئا، فثمرته ضعيفة " انتهى. "الوابل الصيب" (ص 221).

فمن فاته الخشوع والتدبر أثناء ذكره لله تعالى، فيحسُن أن يعيد الأذكار بقلبه ولسانه معا، ليحقق كمال الذكر والأجر والفضل، إلا إن كان سيعاني من وسوسة بسبب الإعادة كلما غفل قلبه، فالأولى في مثل هذه الحال أن لا يعيد حتى لا تملّ نفسه، وتنقطع عن العبادة، وليشرع في ذكر جديد، بحضور قلب وتدبر؛ فلعله أن يدرك به ما فاته في ذكره الأول.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" إذا كرر الفاتحة لا على سبيل التعبد، بل لفوات وصف مستحب؟ فالظاهر الجواز، مثل: أن يكررها لأنه نسي فقرأها سرا في حال يشرع فيها الجهر، كما يقع لبعض الأئمة، ينسى فيقرأ الفاتحة سرا، فهنا نقول: لا بأس أن يعيدها من الأول استدراكا لما فات من مشروعية الجهر، وكذلك لو قرأها في غير استحضار، وأراد أن يكررها ليحضر قلبه في القراءة التالية؛ فإن هذا تكرار لشيء مقصود شرعا، وهو حضور القلب.

لكن ‌إن ‌خشي ‌أن ‌ينفتح ‌عليه ‌باب ‌الوسواس فلا يفعل، لأن البعض إذا انفتح له هذا الباب انفتح له باب الوسواس الكثير، وصار إذا قرأها وقد غفل في آية واحدة منها ردها، وإذا ردها وغفل ردها ثانية، وثالثة، ورابعة، حتى ربما إذا شدد على نفسه شدد الله عليه، وربما غفل في أول مرة عن آية، ثم في الثانية يغفل عن آيتين، أو ثلاث " انتهى. "الشرح الممتع" (3 / 240).

ثانيا:

وأما إن سها في الأذكار فحصل تغيير في ألفاظها، ففي هذه الحال ينبغي للذاكر أن يعيد ما سها فيه؛ لأن الأذكار الشرعية توقيفية، فالأولى بالذاكر أن يحافظ على ألفاظها قدر الاستطاعة، كما يشير إلى هذا حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.

قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ) رواه البخاري (247) ومسلم (2710).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال: "الرسول" بدل "النبي" أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها " انتهى. "فتح الباري" (11 / 112).

فإن لم يعده فيخشى فوات الفضل المرتب على ذلك الذكر؛ لعدم الاتيان بالذكر على وجهه المطلوب.

الخلاصة:

ينبغي للمؤمن أن يؤتي بالأذكار الشرعية بقلبه ولسانه معا ليدرك كمال الأجر والثمرة، فإن حدث له سهو وغفلة فذكر الله تعالى بلسانه دون قلبه، فهذا يرجى له الأجر لكن ليس كأجر الذاكر بقلبه، ولو أعاد ما سها فيه فهو حسن، إلا أن يخشى وسوسة وعنتا في نفسه.

وأما إن سها بتغيير في ألفاظ الذكر، فينبغي في هذه الحال اعادة الذكر لا سيّما إذا أدى هذا التغيير إلى معنى فاسد؛ لأن الأذكار الشرعية ألفاظها توقيفية فينبغي المحافظة عليها قدر الاستطاعة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب