الحمد لله.
هذا الحديث رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص 431)، والحاكم في "المستدرك" (1 / 545 — 546)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6 / 222): عن مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ، حدثنا خَلَفُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْمُنْذِرِ، حدثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ عَلَيَّ، وَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أَنْ تُنْجِيَنِي مِنَ النَّارِ، إِلَّا حَمِدَ اللَّهَ عز وجل بِمَحَامِدِ الْخَلْقِ كَلِّهِمْ .
وهذا الخبر مداره على خَلَف بن المُنْذِرِ، وهو مجهول الحال لم يرد فيه توثيق معتبر، وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (3 / 194)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3 / 370)، ولم يذكرا فيه توثيقا.
والثابت من حديث أنس هو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه زيادة: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ عَلَيَّ، وَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أَنْ تُنْجِيَنِي مِنَ النَّارِ، حَمِدَ اللَّهَ عز وجل بِمَحَامِدِ الْخَلْقِ كَلِّهِمْ.
روى مسلم (2715) عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ، وَلَا مُؤْوِيَ .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن رواية خَلَف بْن الْمُنْذِرِ صحيحة أو حسنة، فقد روى عنه ثقتان، وكذا أهل بلده، وذكره ابن حبان في "الثقات" (6 / 271)، ورأوا أن هذا يعطي للإسناد قوة.
فقد أدخل الشيخ الألباني هذا الخبر في "السلسلة الصحيحة"، ثم قال رحمه الله تعالى:
" وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير خلف بن المنذر، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (6 / 271)، وقال: روى عنه موسى بن إسماعيل وأهل بلده.
وقال البخاري في "التاريخ": .. موسى بن إسماعيل، ومسلم.
والظاهر أنه يعني: مسلما الفراهيدي؛ فإنه من أهل بلده: البصرة " انتهى. "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7 / 1317).
وعلى القول بصحة الخبر، فلم نقف على كلام لأهل العلم في بيان معانيه.
ولعل المراد بذلك، والله أعلم: أن هذه الصيغة من الحمد، فيها حمد الله تعالى على أهم ما تقوم به حياة الإنسان، وتتكرر حاجته إليه في كل حين، من مأوى ومشرب ومطعم وكفاية، ثم حمد الله تعالى على كل نعمة ينعمها الله تعالى عليه، وذلك في جملة: ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ عَلَيَّ ).
فيكون كأنه قد حمد الله على كل نعمة يحمد العباد عليها الخالق سبحانه وتعالى، فلعل هذا وجه حمده بجميع محامد العباد.
وصيغ الحمد الجامعة من شأنها أن تجلب كثرة الثواب.
قال القرطبي في كلامه على الحديث الذي رواه الإمام مسلم (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ .
قال رحمه الله تعالى:
" قوله: ( لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ ) أي: لرجحت عليهن في الثواب.
وهو دليل على أن الدعوات والأذكار الجوامع يحصل عليهن من الثواب، أضعاف ما يحصل على ما ليست كذلك. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحب الدعوات الجوامع " انتهى. "المفهم" (7 / 52).
والخلاصة:
مدار هذا الخبر على راو مجهول الحال، ومن أهل العلم من يرى صحة أو حسن هذا الخبر، وعلى القول بصحته، فهو يفيد فضل هذه الصيغة من الحمد وكثرة أجرها، وأما مقدار ذلك فلا يعرف إلا بالوحي، ولم يرد ما يبينه.
والله أعلم.
تعليق