الحمد لله.
قوله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس/79، هو في إحياء الموتى يوم القيامة، جواباً لمن أنكر ذلك من المشركين وقال: (مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ يس/78.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره، ص699: ” هذه الآيات الكريمات، فيها ذكر شبهة منكري البعث، والجواب عنها بأتم جواب وأحسنه وأوضحه، فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ} المنكر للبعث والشاك فيه، أمرا يفيده اليقين التام بوقوعه، وهو ابتداء خلقه {مِنْ نُطْفَةٍ} ثم تنقله في الأطوار شيئا فشيئا، حتى كبر وشب، وتم عقله واستتب، {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} بعد أن كان ابتداء خلقه من نطفة، فلينظر التفاوت بين هاتين الحالتين، وليعلم أن الذي أنشأه من العدم، قادر على أن يعيده بعد ما تفرق وتمزق، من باب أولى.
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا} لا ينبغي لأحد أن يضربه، وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق، وأن الأمر المستبعد على قدرة المخلوق، مستبعد على قدرة الخالق. فسَّر هذا المثل بقوله: {قَالَ} ذلك الإنسان {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}؛ أي: هل أحد يحييها؟ استفهام إنكار، أي: لا أحد يحييها بعد ما بليت وتلاشت.
هذا وجه الشُّبهة والمثل، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يُعهد من قدرة البشر.
وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان: غفلة منه، ونسيان لابتداء خلقه، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، فوُجد عيانا: لم يضرِب هذا المثل.
فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف، فقال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا بمجرد تصوره، يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه، أن الذي أنشأها أول مرة قادر على الإعادة ثاني مرة، وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور، {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}” انتهى.
والشَّعر الميت الساقط لا يعود إلى صاحبه، ولا يحييه الله، عادة، في هذه الدنيا. فاستعمال الآية في ذلك استعمال في غير موضعه.
والاقتباس من القرآن جائز، إذا كان في معنى صحيح، وغرض صحيح، والمعنى هنا ليس صحيحا؛ لعدم وجود شعر ميت يحيى.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (6 / 17-18): ” يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية، تحسيناً للكلام.
أما إن كان كلاماً فاسداً: فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن، وذلك ككلام المبتدعة ، وأهل المجون ، والفحش .
قال السيوطي : لم يتعرض له المتقدمون ، ولا أكثر المتأخرين من الشافعية ، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم ، واستعمال الشعراء له قديماً ، وحديثاً ، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين ، فسئل عنه الشيخ العز ابن عبد السلام، فأجازه ، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها : ( وجهت وجهي … إلخ ) ، وقوله: ( اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر).
وفي سياق الكلام لأبي بكر … ” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ” .
وفي حديث لابن عمر … ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” .
وقد اشتهر عند المالكية تحريمه ، وتشديد النكير على فاعله. لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه ، وبين النثر فأجازه ، وممن استعمله في النثر من المالكية : القاضي عياض ، وابن دقيق العيد ، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية .
ونقل السيوطي عن ” شرح بديعية ” ابن حجة أن الاقتباس ثلاثة أقسام :
الأول : مقبول ، وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود .
والثاني : مباح ، وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص .
والثالث : مردود ، وهو على ضربين .
أحدهما : اقتباس ما نَسبه الله إلى نفسه ، بأن ينسبه المقتبِس إلى نفسه ، كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله : ” إن إلينا إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم ” !! .
والآخر: تضمين آية في معنى هزل ، أو مجون .
قال السيوطي : وهذا التقسيم حسن جدّاً ، وبه أقول” انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة عن: استعمال بعض آيات القرآن في المزاح ما بين الأصدقاء ، مثال : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) الحاقة/30 ، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَة)ٌ عبس/40 ، ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ) الفتح/29 ، هل يجوز استعمال هذه الآيات في المزاح ما بين الأصدقاء ؟
فأجابوا : ” لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها آيات من القرآن، أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان، لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه ، فيجوز.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة” ( 4 / 82 ).
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً :-ما حكم تأول القرآن عندما يعرض لأحد منَّا شيءٌ من أمور الدنيا ، كقول أحدنا عندما يحصل عليه شدة ، أو ضيق : ( تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) مريم/83 .
عندما يلاقي صاحبه : ( جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ) طه/40 .
عندما يحضر طعام : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/24 .
إلى آخر ما هنالك مما يستعمله بعض الناس اليوم ؟
فأجابوا : ” الخير في ترك استعمال هذه الكلمات وأمثالها فيما ذكر ؛ تنزيهاً للقرآن ، وصيانة له عما لا يليق.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة” (4/81).
والحاصل: أنه لا يجوز قراءة هذه الآية عند تمشيط الشعر وسقوط الميت منه.
والله أعلم.
تعليق