الحمد لله.
الحديث عن الاعجاز التشريعي في القرآن حديث طويل لبيان حقيقته وأدلته، وقد كتب فيه كثير من أهل الاختصاص، ونشير هنا إشارات، ونحيلكم على بعض الأبحاث التي أجادت الحديث عن الموضوع.
الإعجاز التشريعي في القرآن:
هو إثباتُ عَجْز البشر جميعًا أفراداً وجماعات عن الإتيان بمثل ما جاء به القرآن من تشريعات وأحكام، تتعلق بالفرد والأسرة والمجتمع في كافة المجالات، فلا يستطيعوا الوصول إليه ولا ابتداع ما يضاهيه، بل يقـرون بتفوقه وتميزه على سائر التشريعات.
والحديث عن الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم: حديث عن النظام الخالد للكون وما فيه، فالذي أبدع الكون من العدم، وأوجد فيه من المخلوقات ما لا يحصى عددا، وجعل أشرف هذه المخلوقات وأكرمها بني آدم، قد اختار لهذا المخلوق منهجاً ونظاما في الحياة، ينظم سلوكه في الدنيا، وعلاقته بنفسه وبمن حوله وبخالقه سبحانه وتعالى، ورتب نتائج دنيوية وأخروية على نتيجة سيره، وفق هذا النظام الإلهي الكريم، حيث يحصل الإنسان على الطمأنينة والعزة والرفاه في الدنيا، ويشعر بإنسانيته الحقة، ويدرك الحكمة الإلهية من خلقه وإيجاده وتفضيله على سائر المخلوقات، كما ضمن الله سبحانه وتعالى له السعادة في الآخرة استمرارا لسعادته الدنيوية. انظر: “مباحث في إعجاز القرآن” (ص113).
يقول عباس العقاد:
“لقد استوعب الإسلام مذاهب الاقتصاد – كما استوعب مذاهب الاجتماع – في عصر المصارف والشركات وقروضها وفوائدها، دون أن يعوق مصلحة من مصالحها البريئة في العُرف المشروع، وتمضى هذه المذاهب كما مضى غيرها، فلا يؤوده بعدها أن يستوعب مذاهب الثروة في أيدي الآحاد، لا يمنع منها إلا ما يمنعه أولاً وآخراً من ضرر وضِرار ” انتهى “خصائص التعبير القرآني” (1/ 134).
فمن أبرز خصائص الإعجاز التشريعي: الشمولية حيث استوعب كل ما يتعلق بالحياة في الجانب الاجتماعي والجنائي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي.. حتى أبسط الأخلاقيات بين الناس جعل لها تشريعا ناظما لها. ينتج من تطبيقه على الناس أمة متكاملة الشخصية متميزة الملامح والسلوك عن سائر الأمم.
فلم يدع جانبا من جوانب الحياة إلا كانت له نظرته الخاصة، وتشريعه المستقل، بحيث ينتج من مجموع أنظمته تشريع متكامل لمناحي الحياة كلها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)المائدة/3.
ومن خصائص الإعجاز التشريعي: أن هذا التشريع الشامل الكامل ورد على لسان نبي أمي، مما يدل على ربانيته وأنه من عند الله، فقد عجزت النظريات والقوانين البشرية أن تأتي بنظام شامل لجوانب الحياة باعترافهم وشهادتهم.
ومن تلك الشهادات:
1- المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد بلاهاي عام ١٩٣٧م، وقد قرر ما يلي:
- اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع العام.
- الشريعة الإسلامية حية قابلة للتطور.
- الشريعة الإسلامية شرع قائم بذاته ليس مأخوذاً عن غيره.
2- مؤتمر المحامين الدولي المنعقد بلاهاي عام ١٩٤٨م، ومما قرره ما يلي :
) نظرا لما في التشريع الإسلامي من مرونة وما له من شأن هام، ويجب على جمعية المحامين الدولية الدراسة المقارنة لهذا التشريع، وتشجع عليها أن تتبنى الدراسة المقارنة لهذا التشريع).
٣– ملتقى بكلية الحقوق بباريس حمل اسم ” أسبوع الشريعة الإسلامية ” انعقد في يوليو عام ١٩٥١م، ومما جاء في القرار الذي وافق عليه الملتقى ما يلي:
قد تبين بجلاء أن مبادئ الشريعة الإسلامية ذات قيمة تشريعية لا يمارى فيها، وأن اختلاف المذاهب الفقهية داخل هذا النظام الفقهي العظيم إنما ينطوي على ثروة فقهية، وعلى أساليب فنية عظيمة).
وللتوسع في موضوع الإعجاز التشريعي في القرآن ننصح بقراءة الكتب والأبحاث التالية، وستجد فيها تأصيلاً ونماذج كثيرة مفصلة:
- “شريعة القرآن من دلائل إعجازه” لأبي زهرة.
- “مباحث في إعجاز القرآن”، د. مصطفى مسلم
- “الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم”، د سـيف الحارثي.
والله أعلم.
تعليق