الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل النسخ يتعارض مع كون القرآن محفوظا كاملا؟

534242

تاريخ النشر : 27-11-2024

المشاهدات : 468

السؤال

عن الآيات المنسوخة: هل يعني أن بعض الآيات قد حُذِفت من القرآن، إذا كان الأمر كذلك، ألا يتعارض ذلك مع القرآن؟ لماذا تَنسَخُ بعض الآيات آيات أخرى إذا كان القرآن كاملاً؟
هل يعني ذلك أن الله قادر على تغيير رأيه؟
ما هو ردّ الإسلام على دفاع النصارى عن دينهم حيث يدعون إن عيسى التقى بالرسل بعد موته؟ هل يتَّفق الإسلام مع هذه الرواية؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

النسخ ثابت في القرآن والسنة، وهو لحِكم، منها: ابتلاء العباد، وظهور إيمانهم وتسليمهم لحكم الله، فالمؤمن يصدق ويسلم ويمتثل، والكافر والمنافق ينكر ويعترض.

ومنها: التخفيف عن المؤمنين، كنسخ وجوب مصابرة المؤمنين أمام عشرة أمثالهم من الكفار، إلى وجوب مصابرتهم لضعفيهم فقط، كما قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال/65- 66.

والنسخ أنواع، فقد تنسخ التلاوة ويبقى الحكم، أو ينسخ الحكم وتبقى التلاوة، أو ينسخ الحكم والتلاوة.

وينظر لمعرفة أنواع النسخ وبعض أمثلته: جواب السؤال رقم: (105746).

ثانيا:

الإيمان بالنسخ من مقتضيات الإيمان بأن الله فعال لما يريد، فيخلق ما يشاء، ويأمر بما يشاء، ويحكم ما يريد، فيحل ما حرم، أو يحرم ما أحل، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه؛ فهو الملك العظيم القادر، صاحب الأمر والنهي.

فالنسخ من كمال الله تعالى، فالعجب ممن ينكره! أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَالأعراف/54

وقد ذكر الله النسخ في كتابه، وختم كلامه ببيان قدرته، وأن له ملك السموات والأرض، فقال: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ البقرة/106- 107.

فمن لا يؤمن بالنسخ، يشكك في قدرة الله، وفي تمام ملكه.

وأما أن الله تعالى يغيّر رأيه، أي يحرم ما كان حلالا، أو يحل ما كان حراما، أو يرفع الإيجاب عما كان واجبا، فهذا لا محذور فيه، وهو من تمام ملكه وقدرته كما تقدم، فمن الذي يعترض على الله؟!

ولا يقال في حق الله جل جلاله: “يغير رأيه”، كما يقوله الناس، للناس؛ فليس هذا من الأدب الواجب مع الله جل جلاله.

والنسخ لا يلزم منه تغير صفة من صفات الله تعالى، ولا يلزم منه البداء كما قالت اليهود، أي أنه يبدو له ما لم يكن يعلمه.

“بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول، ويعلم نسخه بالثاني.

والبَداء لا يجوز على الله تعالى؛ لأنه لا يكون إلا لطروّ علم أو لتغير إرادة، وذلك محال في جهة الله تعالى، وجعلت اليهود النسخ والبداء واحدا، ولذلك لم يجوّزوه فضلّوا” انتهى من “تفسير ابن عطية” (1/ 190).

وأما أن القرآن كامل، فالقرآن كان ينزل على التدريج، حتى اكتمل، والنسخ إنما وقع أثناء نزوله، وأما بعد اكتماله، فلم ينسخ منه شيء.

فحذف بعض الآيات، وهو ما يسمى بنسخ التلاوة، إنما حصل أثناء النزول، لا بعد اكتمال القرآن، فالقرآن محفوظ لا يمكن لأحد تغييره، والنسخ إنما كان بأمر الله تعالى، المتكفل بحفظ القرآن، فلا يقال: النسخ يتعارض مع حفظ القرآن، لأن النسخ إنما هو من الله منزل القرآن، وله أن يفعل ما يشاء.

والنصيحة لك ألا تصغي لشبهات المضلين حتى ترسخ في العلم، فتكون قادرا على تمييز الصواب من الخطأ، والحق من الضلال، ثم الرد على هذه الشبهات.

ثالثا:

عيسى عليه السلام لم يمت، حتى يقال: إنه التقى بالرسل بعد موته! وإنما رفعه الله عز وجل إلى السماء، فهي حي الآن، وسينزل في آخر الزمان.

قال الله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا النساء/157، 158

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (110592)، ورقم: (326195).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب