الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

مسلمة جديدة يشقّ عليها قراءة سورة الفاتحة

السؤال

 أتحدث اللغة الإنجليزية (وهي لغتي الأصلية) وأحاول تعلم اللغة العربية، وقد تعلمت سورة الفاتحة بعدما أسلمت، لكن هناك بعض الحروف التي لا أستطيع نطقها وهناك حروف أنطقها خطأً، وقد قرأت في أحد كتب الفقه أن الذي يخطيء في حرف من الفاتحة تبطل صلاته، وأحاول أن أستمع لبعض القراءات المسجلة لأصحح قراءتي وما زلت أخطئ وأصبحت متوترة للغاية وأتوقف كثيراً أثناء قراءتي لتصحيح النطق بالحروف وكثيراً ما أكرر الفاتحة أكثر من مرة، ماذا يجب علي أن أفعل؟

ملخص الجواب

بطلان صلاة من أخطأ في قراءة الفاتحة ليس على عمومه، فليس كل خطأ في قراءة الفاتحة يبطل الصلاة بل لا تبطل إلا إذا أسقط من الفاتحة شيئاً أو غَيَّر الإعراب بما يحيل المعنى، ثم هذا الحكم وهو بطلان الصلاة إنما هو لمن استطاع أن يقرأ الفاتحة قراءة صحيحة أو استطاع أن يتعلمها ولم يفعل. أما العاجز عن ذلك، فإنه يقرأها على حسب استطاعته ولا يضره ذلك؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

الحمد لله.

هل قراءة الفاتحة ركن في الصلاة؟

1- قراءة سورة الفاتحة ركن في الصلاة ـ على الصحيح من أقوال العلماء ـ وتجب على الإمام والمأموم والمنفرد.

فعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين، قال: مجَّدني عبدي – وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" رواه مسلم  (395).

ومعنى خداج: غير تمام.

ويجب على المصلي أن يأتي بها على الوجه الصحيح بلغة العرب؛ لأننا مأمورون بقراءة القرآن كما نزل.

حكم من تشق عليه قراءة الفاتحة

2-  من تعذر عليه الإتيان بالنطق الصحيح لعلّة في لسانه أو عجمة: وجب عليه أن يتعلم ويقوِّم نطقه بحسب المستطاع.

فإن لم يستطع: سقط ذلك عنه؛ لأن الله تعالى لا يكلف الأنفس إلا ما استطاعت.

قال الله تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" البقرة/286.

حكم من عجز عن قراءة الفاتحة بالكلية

3-  من عجز عن قراءة الفاتحة بالكلية أو عجز عن تعلّمها أو أسلم لتوّه وحضر وقت الصلاة وليس هناك وقت كاف ليتعلّم فإنّ له فرجا ومخرجا في الحديث التالي:

عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني شيئا يجزئني مِن القرآن فإني لا أقرأ، فقال: قل سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فضم عليها الرجل بيده، قال: هذا لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني قال فضم عليها بيده الأخرى وقام.

رواه النسائي (924) وأبو داود (832).

والحديث: جوَّد إسنادَه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2 /430)، وأشار إلى تحسينه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/236).

قال ابن قدامة رحمه الله:

"فإن لم يحسن شيئا من القرآن، ولا أمكنه التعليم قبل خروج الوقت: لزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لما روى أبو داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني منه فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: هذا لله فما لي قال: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني.

ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها، وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة" انتهى.

فإن استطاع قراءة بعض الفاتحة دون البعض الآخر لزمه الإتيان بما استطاع منها،

ويلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها (أي: ليكون مجموع ما يقرؤه سبع آيات بعدد آيات الفاتحة).

وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلِّلْه وكبِّره" رواه أبو داود.

(المغني/1/189-190).

هل تبطل صلاة من أخطأ في حرف من الفاتحة؟

وما قرأتيه من بطلان الصلاة إذا أخطأ المصلي في حرف في الفاتحة، فهذا ليس على عمومه، فليس كل خطأ في الفاتحة يبطل الصلاة بل لا تبطل إلا إذا أسقط من الفاتحة شيئاً أو غَيَّر الإعراب بما يحيل المعنى، ثم هذا الحكم وهو بطلان الصلاة إنما هو لمن استطاع أن يقرأ الفاتحة قراءة صحيحة أو استطاع أن يتعلمها ولم يفعل.

أما العاجز عن ذلك فإنه يقرأها على حسب استطاعته ولا يضره ذلك إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ومن القواعد التي قررها أهل العلم أنه لا واجب مع العجز.

انظر المغني (2/154).

وفي هذه الحالة ينبغي أن يقرأ الفاتحة بقدر استطاعته ثم يأتي معها بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ليكون ذلك عوضاً عما تركه من الفاتحة. انظر المجموع (3/375).

هل تصح صلاة من يلحن في الفاتحة؟

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وَسُئِلَ هَلْ مَنْ يَلْحَنُ فِي الْفَاتِحَةِ تَصِحُّ صَلاتُهُ أَمْ لا؟

فَأَجَابَ: أَمَّا اللَّحْنُ فِي الْفَاتِحَةِ الَّذِي لا يُحِيلُ الْمَعْنَى فَتَصِحُّ صَلَاةُ صَاحِبِهِ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا... وَأَمَّا اللَّحْنُ الَّذِي يُحِيلُ الْمَعْنَى: إذَا عَلِمَ صَاحِبُهُ مَعْنَاهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ لا تَصِحُّ صَلاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُحِيلُ الْمَعْنَى وَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ

مجموع الفتاوى (22/443).

وسئل أيضاً عَمَّا إذَا نَصَبَ الْمَخْفُوضَ فِي صَلَاتِهِ؟

فَأَجَابَ: إنْ كَانَ عَالِمًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اهـ.

"مجموع الفتاوى"  (22/444).

نصائح للمسلمة الجديدة

وعليكِ - أختي المسلمة الجديدة - أن تجتهدي وتحرصي بكثرة المران والتكرار وكذلك القراءة على أخت مسلمة أخرى تجيد القراءة، وأيضا كثرة سماع السّور من المقرئين المجيدين في الأشرطة والمذياع.

ولا داعي للتوتر والقلق، فإنّ الله عليم ببواطن خلقه ويعلم عزّ وجلّ من الذي يبذل الأسباب ويجتهد ومن هو المفرِّط والمهمل.

وهذه المشقة التي تجدينها في قراءة القرآن تزيد في حسناتك وأجرك. فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ.

رواه مسلم  (798).

قال النووي رحمه الله:

وَأَمَّا الَّذِي يَتَتَعْتَع فِيهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّد فِي تِلاوَته لِضَعْفِ حِفْظه فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْر بِالْقِرَاءَةِ، وَأَجْر بِتَتَعْتُعِهِ فِي تِلاوَته وَمَشَقَّته اهـ.

ولا داعي للإعادة أكثر من مرة لأن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل يفتح باب الوسوسة ويُنقص الصلاة ويُذهب خشوعها ويُشغل عن تدبر معاني آياتها، ويُفرح الشيطان؛ لأنه سيجعل من ذلك بابا لتعذيب المصلّي ليملّ من الصلاة في النهاية. والله تعالى رحمن رحيم، وهو أرحم بنا من أنفسنا، ولا يكلفنا ما لا نطيق.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب