الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

يقع في المعاصي ويخاف نسيان العلم والقرآن

83287

تاريخ النشر : 26-02-2006

المشاهدات : 40748

السؤال

هل الوقوع في المعاصي لابد أن ينتج عنه نسيان العلم والقرآن ، فأنا أقع في المعاصي وليس عن إصرار مني بل أشعر بندم شديد بعد الوقوع في المعصية وأخاف خوفا شديدا من أن يؤدي وقوعي في المعاصي من نسيان ما حصلته من العلم ، وهذه المعاصي بصراحة شديدة أهمها النظر المحرم وما يتبعه من استمناء ، ولكن والله لا أفعل ذلك إلا إذا كنت في حالة ضيق وحزن فأجد نفسي أفعل ذلك من خلال مشاهدة الصور أو الفيديو التي يملأ إخوتي بها الجهاز ، ومشكلتي أنه منّ الله علي بقوة البنية ولدى رغبة شديدة في الزواج طغت على فكري ، ولكن ليس عندي مال وأنا أصوم كل اثنين وخميس والثلاثة أيام القمرية ، أرجو منكم أن تردوا علي ولا تتركوني هكذا .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

المعاصي لها شؤم وأثر سيء على صاحبها ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله جملة من آثارها ، ونحن نورد لك بعضها :

1- " حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تُطفئ ذلك النور . ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقُّد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تُطفئه بظلمة المعصية .

2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه ) رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه ، وبينه وبين الناس . قال بعض السلف : إني لأعصي الله ، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .

4- تعسير أموره عليه ، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه ، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا .

5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه ، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة ، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده ، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه ، وتصير سواداً يراه كل أحد . قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق ) .

6- حرمان الطاعة ، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله ، وتقطع طريق طاعة أخرى ، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا ، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة ، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها ، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .

7- أن المعاصي تزرع أمثالها ، ويُولِّد بعضها بعضاً ، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها .

8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته الخير ، فتقوى إرادة المعصية ، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية ، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .

9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة ، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ، ولا كلامهم فيه .

ثانياً :

كونك تشعر بالضيق من حالك ، وتبحث عن المخرج ، هو إن شاء الله علامة الصدق ، وبداية التوبة بإذن الله .

إذ كل إنسان منا يحتاج أن يقف مع نفسه وقفات ، ويصدق العزم حتى يبدأ جهاد نفسه الأمارة بالسوء ، ويسلح نفسه بالأسلحة .

وسنعطيك بعض الإرشادات التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياك بها :

1- ادع الله عز وجل , وتضرع إليه ، واعلم أن الله لا يخيب من دعاه ، قال تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر /60 ، وألِحّ على الله بالدعاء وتحرّ مواطن الإجابة كالسجود وفي آخر ساعة من نهار يوم الجمعة وفي ثلث الليل الأخير حين نزول ربنا تعالى إلى السماء الدنيا فينادي هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ ولا تستبطئ الإجابة فالله قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء .

2- ينبغي على الإنسان أن يزداد من العبادات ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود / 114 ، واعتن بالصلاة فهي كما قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت / 45 .

3- ينبغي للإنسان أن يحرص على زيادة معرفته بالله سبحانه وتعالى ، وذلك بأن يعرفه من خلال أسمائه وصفاته ، ومن خلال التفكر في ملكوت السماوات والأرض ، فعند ذلك يشعر الإنسان بالحياء من الله سبحانه وتعالى ، وكما قال بعض السلف : لا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت .

4- أن تعلم أن الطريق إلى الجنة شاق ويحتاج إلى مجاهدة وصبر ، وقد قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت / 69 .

5- تدبر في فوائد غض البصر ، واجعلها حاديك في الطريق ، تسلو بها عن وساوس النفس ونزغات الشيطان ، وهذه بعض الفوائد نسوقها إليك لعل الله أن ينفعنا وإياك بها :

• أن غض البصر امتثال لأمر الله ، قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) النور / 30 ، وامتثال أمر الله هو غاية سعادة العبد في الدنيا والآخرة .

• أنه طهارة القلب وزكاة النفس والعمل.

• أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم ؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس .

• تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب .

• حصول الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل .

• أنه يخلص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق بصره دامت حسرته .

• أنه يورث القلب سرورا وفرحا ونورا وإشراقا أعظم من اللذة الحاصلة بالنظر .

• أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهواته .

6- اشغل نفسك بشيء من العمل النافع المفيد ، وحضور الدروس ، واستماع المحاضرات ، فلا أضر على الإنسان من الفراغ والوحدة .

7- ابحث عن رفقة صالحة تعينك على طاعة الله ، فإن الشيطان من الفرد قريب ، ومن الاثنين أبعد ، ولا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية .

7- تجنب الأسباب التي تثير فيك الشهوة ، كمشاهدة الصور المحرمة ، فإن هذا مع كونه محرم في ذاته ، فهو يجرك إلى محرم آخر .

8- الاستمناء عمل محرم ، وغير لائق بالنفس الكريمة السوية ، وقد دل على حرمته أدلة تجدها في الجواب رقم (329)

فبادر أيها الأخ الكريم بالتوبة إلى الله تعالى ، واحذر مقته وغضبه ، واعلم أن العلم والاستقامة فضل منه ، ولربما غضب على العاصي فسلبه ذلك ، كما قال سبحانه : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الأعراف/175. واستحضر عظمة الله تعالى ، وتذكر اطلاعه عليك ، فإنه لا تخفى عليه خافية من أمرك .

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى طغيان

فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

وتخيل نفسك وقد جلست مع الصالحين من إخوانك ، فامتنعت عن المعصية حياء منهم ، فلا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك .

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه فقال : ( أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك ) رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2541) .

نسأل الله تعالى أن يصرف عنك السوء وأن يوفقك لطاعته ومرضاته .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب