الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

الاحتفال بذكرى بعض العلماء

السؤال

ما حكم الاحتفال بالذكرى المئوية أو الأربعينية لوفاة عالم من العلماء ؟.

الجواب

الحمد لله.

من الأمور المحدثة التي ظهرت في بعض المجتمعات الإسلامية , الاحتفال بذكرى بعض الموتى , وخاصة العلماء , وهذا الاحتفال يكون في التاريخ الموافق لتاريخ وفاة المحتفل بذكراه, وربما كان هذا الاحتفال بعد موته بسنة أو أكثر.

وهذا الاحتفال يختلف من شخص لآخر : فإن كان من عامة الناس أو ممن ينتسبون إلى العلم وإن كانوا جُهَّالاً , فبعد مرور أربعين يوماً على وفاته , يحتفل أهله بذكرى وفاته, ويسمونها ( الأربعين ), فيجمعون الناس في مخيمات خاصة أو بيت المتوفى ويحضرون من يقرأ القرآن, ويعدون وليمة كوليمة العرس, ويزينون المكان بالأنوار الساطعة, وبالفرش الوثيرة, وينفقون النفقات الباهظة, وغرضهم من ذلك كله المباهاة والرياء ولا شك في حرمة ذلك, لما فيه من إضاعة مال الميت لغير غرض صحيح, ولا يفيد الميت بشيء ويعود بالخسارة على أهله. هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر, فما بالك إذا كان فيهم قاصر !!!. وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا نعوذ بالله من سخطه. الإبداع ص/228

          قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : _ وكان من هديه صلى الله عليه وسلم , تعزية أهل الميت, ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن, لا عند قبره ولا عند غيره, وكل هذا بدعة حادثة مكروهة). ا. هـ. زاد المعاد 1/527

          وقال علي محفوظ رحمه الله : ( فما يعمله الناس اليوم من اتخاذ الأطعمة للمعزين, والنفقات التي تنفق في ليالي المآتم, وما يتبعها مثل ليالي الجمع والأربعين, كله من البدع المذمومة, المخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده). ا.هـ. الإبداع ص/ 230

          فهذا الاحتفال أمر محدث مبتدع, لم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح رحمهم الله. والسنة في ذلك : أن يصنع الطعام لأهل الميت ويرسل إليهم, لا أن يصنعونه هم ويدعون الناس إليه. وقد قال عليه الصلاة السلام

لما جاءه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد جاءهم ما يشغلهم). رواه أحمد في مسنده (1/205), ورواه أبو داود في سننه (3/497) كتاب الجنائز, وحديث رقم (3132). ورواه الترمذي في سننه (2/234) أبواب الجنائز, حديث رقم (1003), وقال : حديث حسن. ورواه ابن ماجة في سننه (1/514) كتاب الجنائز, حديث رقم (1610). ورواه الحاكم في المستدرك (1/372) كتاب الجنائز وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووفقه الذهبي في تلخيصه.

          وقال جرير بن عبد الله البجلي : ( كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) ا. هـ. رواه ابن ماجة في سننه (1/514) كتاب الجنائز, حديث رقم (1612). قال البوصيري في زوائد ابن ماجة (2/53) : (هذا إسناد صحيح, رجال الطريق الأولى على شرط البخاري, والطريق الثانية على شرط مسلم) ا.هـ

          أما إذا كان المحتفل بذكراه من العلماء, ففي اليوم الذي يوافق تاريخ وفاته, بعد مرور سنة أو سنين معينة, يعمل له احتفال خاص, ويعهد إلى مجموعة من الباحثين كتابة بعض البحوث في سيرته وشخصيته, ومنهجه في التأليف, وكل ما يتعلق به ثم تلقى في هذا الاحتفال, وتطبع كتبه, أو المهم والمشهور منها, وتوزع أو تُنشر في الأسواق إحياءً لذكراه بزعمهم, وبياناً لجهوده في سبيل نشر العلم والتأليف ونحو ذلك.

          وإذا كان من الملوك أو السلاطين أو الرؤساء فيحتفل بهذه المناسبة, ويتكلم كبار المختلفين عن مآثره وجهوده في الحكم, وربما صدر بعض الكتب عنه بهذه المناسبة.

ومن الناس من يذهب إلى قبره, ويضع عليه الورود, ويقرأ على روحه الفاتحة, وكل هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان.

          وليس في نشر كتب العالم, والكتابة في سيرته, ومنهجه في تأليف وطباعة كتبه بأس, بل هذا مطلوب إن كان يستحق ذلك, ولكن لا يخصص ذلك بزمن معين, ولا يكون مصحوباً باحتفالات ومهرجانات خطابية ونحو ذلك, وكذلك الملوك والحكام.

          فالاحتفال بذكرى بعض  الموتى كالعلماء والحكام, وبعض العامة ونحوهم, أمرٌ محدثٌ مبتدع, وكفى بهذا ذماًّ له.

          فإنه لا أحد أوسع علماً منه صلى الله عليه وسلم, ولا أفضل طريقة في الدعوة إلى الدين, ولا أشرف مقاماً, ولا أعظم منزلة منه عليه الصلاة والسلام فهو أفضل الخلق على الإطلاق, ومع ذلك لم يحتفل الصحابة بذكراه مع أنه لا يمكن أن يحب مخلوق مخلوقاً كمحبة الصحابة رضوان الله عليهم للرسول صلى الله عليه وسلم ولا التابعين, ولا السلف الصالح رحمة الله عليهم ولو كان في ذلك خيراً لسبقونا إليه.

          فتقدير العلماء لا يكون بالاحتفال بذكراهم, بل يكون بالحرص على الاستفادة مما كتبوا وألفوا, عن طريقة النشر والقراءة, والتعليق والشروح, ونحو ذلك.

          هذا إذا كانوا يستحقون ذلك, بسيرهم على المنهج السلفي الصحيح, والبُعد عن منهج الفرق الضالة, أو التأثر بالغرب ونحوهم.

          والعلماء من السلف الصالح ومن جاء بعدهم, قد حفظت ذكراهم ورواياتهم, وما أظهروه للناس من العلم, فالعالم يموت ويفارق الدنيا, ويبقى علمه يتناقله الناس جيلاً بعد جيل.

          وبسبب ما استفاد الناس من علمهم, صاروا يترحمون عليهم, ويدعون لهم بالأجر والمثوبة, وهذا أعظم إظهار لذكراهم.

          أما الاحتفال بذكراهم, والتبرك بزواياهم وآثارهم, والطواف بقبورهم, فكل ذلك من البدع, التي قد يصل بعضها إلى درجة الإشراك بالله نعوذ بالله من ذلك.

          ولو أن هؤلاء العلماء - الذي يُحتفل بذكراهم ويُتَبرك بزواياهم - أحياء لأنكروا على من يفعل هذه الأمور.

          ولكن بعض الناس قد أغواه هواه والشيطان, والداعون إلى البدعة لدنيا يصيبونها, أو منصب يترأسون الناس به, فانزلق في متاهات البدع التي لا خلاص منها, إلا بالرجوع إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقوف عليهما, وعلى ما أجمع عليه علماء الأمة, وترك ما أحدث من البدع, التي هي شر في ذاتها, وتؤدي إلى شرٍّ أعظم, وبَلِيَّةٍ أكبر.

          فنسأل الله لنا ولهم الهداية إلى صراطه المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليه من النبيين والصديقين, والشهداء والصالحين, وأن يباعد بيننا وبين طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين, وأنه على كل شيء قدير.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: البدع الحولية للشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري ص/350