الحمد لله.
ما ذكرته من وجْدك وحنقك على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو أثر من آثار صحبة هذا المبتدع ، وهو دال على فقه السلف في تحذيرهم من مجالسة أهل البدع ، وتشديدهم في ذلك .
كان أبو قلابة رحمه الله يقول : " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ".
وقال أبو إسحاق الهمداني: " من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ".
ودخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء ، فقالا : يا أبا بكر نحدثك ، قال : لا ، قالا : فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل ، قال : لا ، لتقومن عني أو لأقومنَّ ، فقام الرجلان فخرجا .
وقال الفضيل بن عياض : " لا تجلس مع صاحب بدعة ؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة ".
وقال محمد بن النضر الحارثي : " من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة ، وهو يعلم أنه صاحب بدعة ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ".
وقال عبد الرزاق الصنعاني الإمام : قال لي إبراهيم بن أبي يحيى : إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا . قلت : نعم ، وهم يزعمون أنك منهم . قال : أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك ؟ قلت : لا . قال : لم ؟ قلت : لأن القلب ضعيف ، وإن الدين ليس لمن غلب .
وانظر هذه الآثار في "الشريعة" للآجري ، و"أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي.
قال الآجري رحمه الله في كتابه "الشريعة" : " باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء : ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية ، وكل من ينسب إلى المعتزلة ، وجميع الروافض ، وجميع النواصب ، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة ، وصح عنه ذلك ، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه ، ولا يجالس ولا يصلى خلفه ، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه ، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله ، بل يذله بالهوان له ، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك . فإن قال : فلم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله ؟ قيل له : لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاما يفسد عليك قلبك ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت ؛ إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجة عليه بحضرة سلطان أو ما أشبهه لإثبات الحجة عليه ، فأما لغير ذلك فلا . وهذا الذي ذكرته لك لقول من تقدم من أئمة المسلمين ، وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وقال الذهبي رحمه الله : " أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة " انتهى من "سير أعلام النبلاء (7/261).
فما حصل لك أيها الأخ الكريم هو بسبب تفريطك ، وتساهلك في الجلوس مع هذا المبتدع ، حتى أوغر صدرك على أفضل الخلق بعد الأنبياء ، وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ، ونصرة دينه ، وقد توفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، فلا يطعن فيهم إلا شقي محروم .
وقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2340)
وأما سبيل الإصلاح لقلبك ، فبالتوبة إلى الله تعالى ، وبالإقبال على القرآن والسنة وكتب السيرة ، وسترى فيها ثناء الله تعالى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتعلم كم ضحى هؤلاء بأنفسهم وأموالهم حتى وصل إلينا هذا الدين العظيم .
ولعلك ترجع إلى كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم أو من غيره من كتب السنة ، ليزداد حبك وتعظيمك لصحابة رسولك صلى الله عليه وسلم .
ومن الكتب المختصرة الجامعة التي نوصيك بقراءتها : كتاب الصحيح المسند من فضائل الصحابة للشيخ مصطفى العدوي ، وكتاب : صور من حياة الصحابة للأستاذ عبد الرحمن رأفت الباشا .
ولتعلم أن عامة ما يقوله أهل البدع عن الصحابة كذب وافتراء ، ناتج عن تعصب مقيت وحقد أعمى ونفوس مريضة ، صورت لهم أن الصحابة أناس يتقاتلون على الدنيا ، ويلهثون وراءها ، ويكيدون المكائد ، ويدبرون المؤامرات ، وكما قيل قديما : كل ينظر بعين طبعه ، فنفوسهم الحاقدة اللاهثة خلف الدنيا ، صورت لهم أن الصحابة مثلهم ، والواقع أن الصحابة طراز فريد ، وجيل متميز ، وصفوة مختارة ، لأنهم نتاج مدرسة عظيمة ، وتربية مستقيمة ، وصحبة مباركة ، تلقوا فيها العلم والخلق على يد أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم .
واعلم أن الطعن في هؤلاء الصحابة ، طعن في نبيهم الذي اختارهم ، وقرّبهم ، وصاهرهم ، بل طعن في الله تعالى الذي رضي أن يكون هؤلاء جلساءَ نبيه ، وحملةَ دينه ، وكتبةَ وحيه .
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك ، ويطهر قلبك ، ويملأه محبة لدينه وكتابه ، ونبيه وأصحابه .
والله أعلم .
تعليق