الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

طالب علم تطلب منه أمه الاهتمام بدراسته الجامعية فكيف يوفق بين الأمرين ؟

السؤال

أريد طلب العلم الشرعي , وأنا - والحمد لله - أركز على طلب العلم , إلا أن أمي تقول لي إن عليك أن تركز على دروسك ، وواجباتك الجامعية , فكيف لي أن أوفق بين هذين الأمرين ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

إن مما يَحزن القلب أننا نجد بعض الشباب ممن يحبون العلم الشرعي ، ويسعوْن في تحصيله : أنهم يقصِّرون في واجباتهم المنزلية ، ويقصرون في دراستهم النظامية ، وهذا – ولا شك – له أسوأ الأثر على الأهل ، وهو مما يدعوهم إلى منع أولادهم من حضور حلَق العلم ، ومن سماع الأشرطة العلمية النافعة ، ومن قراءة الكتب الشرعية ، وما جعلهم يفعلون ذلك هو ما يرونه من تقصير أولادهم فيما ذكرنا ، ولو أنهم رأوا من يجمع بين الأمور كلها ، ولا يغلِّب جانباً على آخر : لما أزعجهم سماع لشريط ، ولا حضور لحلقة علم ، ولا قراءة لكتاب في العلم الشرعي .

فلينتبه الشباب لهذا ، وليعلموا أن كثيراً من الأهالي وأولياء الأمور يشْكُون تقصير الأبناء في المواد الدراسية ، مما يتسبب عنه رسوب أولئك الشباب في امتحاناتهم أحياناً ، وتحميل أهلهم أعباء إضافية من جهد ، ومال .

نعم ، هناك كثيرون يبالغون في الاهتمام بالدراسة ، والامتحانات ، حتى إن بعضهم لا يكاد يذكِّر أولاده بصلاة ، ولا ذكر، فضلاً عن تشجيعه لأداء صلاة الجماعة في المسجد ، وهؤلاء قد عظموا المدارس ومناهجها ، وجعلوا منها سعادة وشقاء الأولاد ، فجعلوا من معه شهادة هو من سيعيش ويأكل ويتزوج ، ومن لم يحصل عليها فسيشقى ، ولن تكون حياته سعيدة ، مع أننا نرى عكساً لهذا في واقع الحياة ، وبكل حال : فإننا نود من أهالي الشباب المستقيمين على طاعة الله ، والراغبين في طلب العلم أن يخففوا من غلوهم في الاهتمام بالمدارس ومناهجها ، ونود من إخواننا الشباب أن يحسنوا الموازنة بين الأمرين ، وأن يوفروا أوقاتهم التي يضيعونها سدى فيما لا ينفع ، ويوظفوا هذه الأوقات في الموازنة المطلوبة بين الأمرين .

ثانياً:

حتى تجمع أيها الأخ الشاب الراغب بالعلم ، بين طلب العلم تحقيقاً للأمر النبوي بطلبه ، وبين طاعة أمك التي لا تأمرك بما هو محرَّم : فحاول أن تنتصح بما نقوله لك ، وما ندلك عليه ، عسى الله أن ينفعك به ، ومن ذلك :

1. أن تحرص على الصحبة الصالحة ، وتبتعد عن جليس السوء ، فالصحبة الصالحة تحفظ لك وقتك ، وتذكرك بما هو واجب عليك ، وحتى لو كنتم تتعاونون في طلب العلم الشرعي فإنهم سينصحونك بتخصيص شيء من وقتك للدراسة المنهجية ، وستجد منهم خير معين لك ، بخلاف الصحبة السيئة ، وجليس السوء ؛ فإنه لا يدلك على خير ، ولا يرشدك إلى هدى .

2. أن تحفظ عليك وقتك بساعاته ودقائقه ، وأن لا يكون منك تفريط في شيء منه ، فالمحافظة على الوقت من شأنها أن تجعل في يومك فسحة للقراءة ، وطلب العلم ، مع اهتمامك بدروسك المنهجية .

قال ابن القيِّم :

وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمرّ أسرع من مرّ السحاب ، فما كان من وقته لله ، وبالله : فهو حياته ، وعمره ، وغير ذلك : ليس محسوباً في حياته ، وإن عاش فيه : عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته في الغفلة ، والشهوة ، والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة : فموت هذا خير له من حياته .

" الجواب الكافي " ( ص 109 ) .

قال الحسن البصري : " أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه ، ودنانيره " .

3. ترتيب وقتك ، وتنظيم ساعاته ، ومن شأن هذا الأمر أن تعطي كل شيء حقَّه ، فتجعل لنومك ساعات محددة ، ولطلبك العلم أوقاتاً معينة ، ولدروسك الجامعية أزمنة مقيَّدة ، لا تزيد في كل ذلك ، ولا تُنقص منه .

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتناوب هو وأنصاري على حضور حلق العلم عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يجعلوا طلب الرزق معارضاً للعلم ، فجمعوا بينهما من غير تفريط في أحدهما .

عَنْ عُمَرَ قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَنْزِلُ يَوْمًا ، وَأَنْزِلُ يَوْمًا ، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ .

رواه البخاري ( 89 ) وبوَّب عليه بقوله : باب التناوب في العلم ، ومسلم ( 1479 ) نحوه .

4. اعلم أن طريق الدراسة الجامعية قصير محدود ، وأن طريق طلب العلم طويل لا ينتهي إلا بموت صاحبه ، فعجِّل قطع الطريق القصير على خير ، وبأسرع وقت ؛ لتتفرغ لسلوك ذلك الطريق الطويل من دون عوائق .

5. ترجم ما تعلمته من شرع الله على واقعك العملي ، وليظهر أثر العلم على عملك ، وعليه : فمن المتوقع منك أن يزداد برُّك بوالدتك ، وأن تكون ذلك الابن النشيط ، العاقل ، الودود ، طاهر القلب والبدن . ومن شأن تطبيق ما تعلمته على واقعك العملي أن تقدم لأسرتك ، وللمجمتع من حولك رسالة مفادها : أن الإسلام يدعو إلى الأخلاق ، وأنه لا يتعارض مع العلم ، وأن طالب العلم هو القدوة الحسنة للشباب في سلوكه ، وتصرفاته .

واستعن بالله تعالى على كل ما ذكرناه لك ، ونصحناك به ، واسأل ربك دوماً السداد ، والتوفيق .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب