من مات مرابطا في سبيل الله يأمن سؤال القبر
بعض المؤمنين من الذين قاموا بأعمال جليلة ، أو أصيبوا بمصائب كبيرة ، يأمنون فتنة القبر وعذابه ، ومن هؤلاء ، الذي مات مرابطا في سبيل الله :
فقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل ميت يختم على عمله ، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله ، فإنه ينمى له عمله يوم القيامة ، ويأمن فتنة القبر ) رواه الترمذي وأبو داود .
سؤالي هو : ما مدى صحة هذه الأحاديث ؟
الجواب
الحمد لله.
ورد في فضل من مات مرابطا في سبيل الله أنه يأمن فتنة القبر ، وذلك يعني أنه لا
يُسأل في قبره الأسئلة المعروفة الواردة في أحاديث فتنة القبر : من ربك ؟ وما هو
دينك ؟ ومن هو النبي الذي بعث فيكم ؟
وإنما تشهد له مرابطته وجهاده في سبيل الله على صدقه ويقينه وإيمانه ، والمرابط في
سبيل الله هو من أقام في الثغور التي يخاف فيها من هجمات العدو ، مأخوذ من ربط
الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر مرابطا ، فارسا كان أو راجلا . انظر "التذكرة"
للقرطبي (ص/418) .
والدليل على فضل الرباط في سبيل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها :
الحديث الأول :
عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ
شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ
وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ) رواه مسلم (1913) .
قال النووي رحمه الله : " هذه فضيلة ظاهرة للمرابط ، وجريان عمله عليه بعد موته
فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد ، وقد جاء صريحا في غير مسلم : ( كل ميت يختم
على عمله الا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ) .
قوله صلى الله عليه وسلم : " وأجرى عليه رزقه " موافق لقول الله تعالى في الشهداء :
( أحياء عند ربهم يرزقون ) ، والأحاديث السابقة أن أرواح الشهداء تأكل من ثمار
الجنة .
قوله صلى الله عليه وسلم : " أمن الفتان " ضبطوا ( أمن ) بوجهين : أحدهما أَمِن
بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو ، والثاني : ( أُومِن ) بضم الهمزة وبواو .
وقوله " الفتان " فقال القاضي : رواية الأكثرين بضم الفاء ، جمع فاتن ، قال :
ورواية الطبري بالفتح ، وفي رواية أبى داود في سننه ( أومن من فتاني القبر )
" انتهى .
"شرح مسلم" (13/61) .
وقال المناوي رحمه الله : " ( من فتان القبر ) أي : فتانَيْه : منكر ونكير ، أي :
لا يأتيانه ، ولا يختبرانه ، بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه "
انتهى .
"فيض القدير" (5/44) .
الحديث الثاني :
عن فَضَالَةَ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ ،
إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ
عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ )
رواه الترمذي (1621) وغيره ، وقال الترمذي رحمه الله : حسن صحيح ، وصححه ابن العربي
في "عارضة الأحوذي" (4/113) ، وابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/124) ، وابن حجر في
"فتح الباري" (12/421) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال الإمام السرخسي رحمه الله : " ومعنى هذا الوعد في حق من مات مرابطا - والله
أعلم - أنه في حياته كان يُؤمِّن المسلمين بعمله ، فيجازَى في قبره بالأمن مما يخاف
منه .
أو لَمَّا اختار في حياته المقام في أرض الخوف والوحشة لإعزاز الدين ، يُجازَى بدفع
الخوف والوحشة عنه في القبر " انتهى .
"شرح السير الكبير" (1/9) .
وقد جمع الإمام القرطبي في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة
دار المنهاج ، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) جميع الأسباب
المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل ، فمن أراد الاطلاع عليها والتوسع فيها
فليرجع إلى هذين الكتابين .
وانظر جواب السؤال رقم : (10403)
.
والله أعلم .