قال الله تعالى ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) فهل نأخذ من هذه الآية اسم " الناسخ " ونضيفه لله سبحانه وتعالى ؟ وهل النسخ صفة من صفات الله تعالى لأن الله أضاف النسخ إليه ؟ وهل الآية إذا نُسخت نقول بأن كلام الله نُسخ أو منسوخ ، هل يجوز ذلك ؟ وهل الله ينسخ ما يشاء من كلامه ؟ .
الحمد لله.
أولاً:
النسخ في نصوص القرآن والسنَّة ثابت في شرع الله تعالى ، وأجمع عليه أهل السنَة والجماعة في الجملة ، ونعم يقال إن كلام الله تعالى فيه ناسخ ومنسوخ ، وكذا يقال في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم إن فيه ناسخاً ومنسوخاً ، وتجد أدلة ذلك وتفصيله في جواب السؤال رقم ( 105746 ) .
ثانياً:
عقيدة أهل السنَّة والجماعة في أسماء الله تعالى أنها توقيفية ، فلا يجوز لأحدٍ أن يسمِّي الله تعالى باسم لم يسمِّه نفسَه ، أو لم يسمَّه به رسولُه صلى الله عليه وسلم ، ولا مجال للعقل ولا للذوق ولا للرأي ولا للاجتهاد في إثبات أسمائه تعالى ، بل تثبت أسماؤه بنصوص الكتاب والسنَّة الصحيحة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنَّة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص ؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء ، فوجب الوقوف في ذلك على النص ، لقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء/ 36 وقوله : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/ 33 ، ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه أو إنكار ما سمَّى به نفسه جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك ، والاقتصار على ما جاء به النص .
" القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " ( ص 13 ) .
ثالثاً:
من قواعد أهل السنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات : أن أسماءه تعالى أخص من صفاته ، وأن صفاته أخص من أفعاله ، فالأوسع مجالاً هي الأفعال ، والأضيق هي الأسماء ، وأنه لا يجوز إثبات اسم لله تعالى من صفة ثابتة له ، ولا من فعلٍ نسبه لنفسه ، بينما تُثبت الصفة له تعالى من أسمائه ، ويؤخذ الفعل من كثير من صفاته . .
وأسماؤه تعالى تدل على ذاته ، وعلى صفة ، وعلى فعل – أحياناً كثيرة وذلك بحسب الاسم هل هو لازم أو متعدي - ، وأما صفاته فتدل على معنى وعلى فعل – بحسب الصفة - ، فاسمه " الرحمن " دلَّ على ذاته ، وعلى صفة " الرحمة " وعلى فعل ، فيقال " يرحم من يشاء من عباده " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فأسماؤه كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة ، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر ، فـ " العزيز " يدل على نفسه مع عزته ، و " الخالق " يدل على نفسه مع خلقه ، و " الرحيم " يدل على نفسه مع رحمته ، ونفسه تستلزم جميع صفاته ، فصار كل اسم يدل على ذاته ، والصفة المختصة به بطريق المطابقة ، وعلى أحدهما بطريق التضمن ، وعلى الصفة الأخرى بطريق اللزوم .
" مجموع الفتاوى ( 7 / 185 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يُشتق منه المصدر والفعل ، فيُخبر به عنه فعلاً ومصدراً ، نحو " السميع " " البصير " " القدير " يطلق عليه منه : السمع والبصر والقدرة ، ويُخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو ( قد سمع الله ) المجادلة/ 1 ، ( وقدرنا فنعم القادرون ) المرسلات/ 23 ، هذا إن كان الفعل متعديّاً ، فإن كان لازماً : لم يُخبر عنه به نحو " الحي " بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل ، فلا يقال : حيِيَ! .
" بدائع الفوائد " ( 1 / 170 ) .
رابعاً:
لا يجوز أن يُثبت أحدٌ اسماً لله تعالى من صفة له ، أو من فعل ، فلا يقال إنه " الباسط " اشتقاقاً من فعله " يبسط " أو من صفة " البسط " له عز وجل ، ولا يقال هو " المؤتي " أو " النازع " استدلالاً بقوله تعالى ( تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ) آل عمران/ 26 .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
باب الصفات أوسع من باب الأسماء ؛ وذلك : لأن كل اسم متضمن لصفة - كما سبق في القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء - ، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى ، وأفعاله لا منتهى لها ، كما أن أقواله لا منتهى لها ، قال الله تعالى ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) لقمان/ 27 .
ومن أمثلة ذلك : أن من صفات الله تعالى : المجيء ، والإتيان ، والأخذ ، والإمساك ، والبطش ، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى ، كما قال تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) الفجر/ 22 ، وقال : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) البقرة/ 210 ، وقال : ( فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ) آل عمران/ 11 والأنفال/ 52 وغافر/ 21 ، وقال : ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ ) الحج/ 65 ، وقال : ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) البروج/ 12 ، وقال : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/ 185 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) – متفق عليه - .
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد ، ولا نسميه بها ، فلا نقول : إن من أسمائه الجائي ، والآتي ، والآخذ ، والممسك ، والباطش ، والمريد ، والنازل ، ونحو ذلك ، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به .
" القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " ( ص 21 ) .
وبناء على ما سبق : فقوله تعالى ( نَنْسخ ) هو من أفعاله تعالى ، لكن لا يجوز أن يُسمَّى الله تعالى " الناسخ " ؛ لأن أسماءه تعالى توقيفية ، وهذا الاسم لم يرد في الكتاب والسنَّة ، ولأنه لا يجوز اشتقاق الأسماء من الصفات ، فضلا عن اشتقاقها من الأفعال .
والله أعلم