أنا متحير بخصوص حديث ، هل هو صحيح أم ضعيف ، وهل هو مقبول أم لا يتوافق مع القرآن والسنة .
روى ابن عمر - في الترمذي وعند أحمد والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن الله عز وجل خلق الخلق في الظلام ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن مسه النور فقد هدي ، ومن لم يمسه النور فقد ضل ، جف القلم .....إلى آخر الحديث ) جزاكم الله خيرا .
الحمد لله.
أولا :
هذا الحديث يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص فيقول : سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول :
( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ، ثُمَّ أَلْقَى
عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ
اهْتَدَى ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ) فَلِذَلِكَ أَقُولُ – في رواية أن القائل هو
عبد الله بن عمرو -: جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (11/219)، وابن أبي عاصم في " السنة " (244)، وابن
حبان (14/43)، والحاكم في " المستدرك " (1/84) من طريق ربيعة بن يزيد .
وأخرجه الإمام أحمد في " المسند " (11/441) والنسائي في " السنن " من طريق عروة بن
رويم .
وأخرجه الترمذي (2642) والحاكم في " المستدرك " (1/84) من طريق يحيى بن أبي عمرو
السيباني .
ثلاثتهم ( ربيعة بن يزيد ، وعروة بن رويم ، ويحيى بن أبي عمرو ) عن ابن الديلمي ،
عن عبد الله بن عمرو به.
وابن الديلمي اسمه عبد الله بن فيروز : وهو من كبار التابعين ، وثقه ابن معين ولم
يجرحه أحد ، والرواة عنه من الثقات الحفاظ .
لذلك قال الترمذي رحمه الله :
" حديث حسن " انتهى.
وقال الحاكم رحمه الله :
" هذا حديث صحيح قد تداوله الأئمة ، وقد احتجا بجميع رواته ، ثم لم يخرجاه ، ولا
أعلم له علة " انتهى.
وقال الذهبي رحمه الله :
" على شرطهما ، ولا علة له " انتهى من " التلخيص ". ولكن ننبه إلى أن عبد الله بن
فيروز ليس على شرط البخاري ومسلم .
وقال الهيثمي رحمه الله :
" رجال ثقات " انتهى باختصار من " مجمع الزوائد " (7/193)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات " انتهى من " السلسلة الصحيحة " (رقم/1076)
ثانيا :
فإن قال قائل : هذا الحديث يدل على أن سبب دخول الناس الجنة أو النار هو الصدفة
والاتفاق وليس الخُلُقُ والعمل ، فالسعيد مَن أصابه مِن نور الله عز وجل بمحض
المصادفة في ذلك الموقف الذي خلق الله فيه الخلق ، والشقي مَن حُرِمَ ذلك النور
فالجواب أن مَن أصابه مِن نور الله الذي ألقاه – كما يخبر هذا الحديث الصحيح – لم
يصبه على سبيل المصادفة ، وإنما أصابه لأن الله عز وجل كان يعلم – بعلمه الأزلي –
أن هذه النسمة ستكون صالحة تقية عابدة لله عز وجل في الدنيا ، فقدر لها أن يصيبها
من نور الله في ذلك الموقف .
ومن علم الله عز وجل – بعلمه الأزلي – أنه سيعمل سيئا في حياته ، وسيكون مع
الأشقياء الفاسقين ولن يؤمن مع المؤمنين : فهذا يحرمه سبحانه وتعالى من ذلك النور
في بداية الخلق . وهذا معنى قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في آخر الحديث : (
جف القلم على علم الله عز وجل )
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ( جف القلم ) أي : فرغت الكتابة ، إشارة إلى أن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا
يتغير حكمه . قوله : ( على علم الله ) أي : على حكمه ؛ لأن معلومه لا بد أن يقع ،
فعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه " انتهى من " فتح الباري " (11/491)
لذلك بوب الحافظ ابن حبان رحمه الله على الحديث بقوله :
" ذكر الإخبار عن علم الله جل وعلا مَن يصيبه مِن ذلك النور أو يخطئه عند خلقه
الخلق في الظلمة " انتهى من " صحيح ابن حبان " (14/44)
وبوب عليه الآجري رحمه الله بقوله :
" باب ذكر السنن والآثار المبينة بأن الله عز وجل خلق خلقه ، من شاء خلقه للجنة ،
ومن شاء خلقه للنار ، في علم قد سبق " انتهى من " الشريعة " (ص/741) دار الوطن –
تحقيق عبد الله الدميجي.
وقال البيهقي رحمه الله :
" باب ذكر البيان أن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره :
فمن علم الله إيمانه ، وأمر القلم فجرى به وكتب من السعداء : أصابه من ذلك النور
فاهتدى . ومن علم الله كفره ، وأمر القلم فجرى به وكتب من الأشقياء : أخطأه ذلك
النور فضل .
قال الله عز وجل : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ
نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ
بِخَارِجٍ مِنْهَا ) الأنعام/122.
وقال الله عز وجل : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) البقرة/257.
وقال : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى
عِلْمٍ ) الجاثية/23 " انتهى من " القضاء والقدر " (1/256) طبعة مكتبة الرشد
ولمزيد من الفائدة حول القدر ، ينظر جواب السؤال رقم (34732)
، و (20806) ، و (96978)
والله أعلم .