ما هو جزاء الوفاء بالعهد وما جزاء خيانته ؟
الحمد لله.
أولا :
دلت آيات القرآن الحكيم ، وأحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وبيّنت شناعة جرم من نقضهما، أو أخل بهما، وقد يصل الإخلال بهما إلى الكفر كما حدث لبني إسرائيل وغيرهم حينما نقضوا العهد والميثاق مع ربهم ، وتركوا ما عاهدوا الله عليه من الإيمان به ، ومتابعة رسله . قال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) الإسراء /34 ، وقال : ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ) الأنعام/152 ، وقال في مدح عباده المؤمنين : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) الرعد/2 .
والنصوص في الكتاب والسنة كثيرة صريحة الدلالة على وجوب الوفاء وحرمة الغدر والخيانة ، وجميع الآيات التي ورد فيها لفظ العهد والميثاق تدل على ذلك بالمنطوق أو بالمفهوم . والسُنة العملية لنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هي أظهر شاهد وتطبيق لذلك .
ثانيا :
رتب الله على الوفاء بالعهد ثمرات عظيمة للفرد في دنياه وأخراه ، إضافة لثمراته الظاهرة في صلاح المجتمع واستقراره ، فمن تلك الثمرات :
- أن الوفاء بالعهد من صفات المتقين في كتاب الله ، ومن أعظم أسباب تحصيل التقوى . قال تعالى: ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) آل عمران/76
- الوفاء بالعهد سبب لحصول الأمن في الدنيا وصيانة الدماء ، وحفظ حقوق العباد مسلمهم وكافرهم ، كما قال تعالى : ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الأنفال/72 .
-كما أنه سبب لتكفير السيئات وإدخال الجنات: كما نجد هذا في قوله تعالى في سورة البقرة: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) البقرة/40 ، قال ابن جرير: "وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة" انتهى.
وفي سورة المائدة ذكر الله سبحانه أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل، ثم بيّن هذا الميثاق وذكر الجزاء على الوفاء به فقال:(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) المائدة/12 ، إلى غير ذلك من الآثار التي تتضح جلية لكل من تدبر كتاب الله وتأمل في سنة رسول الله القولية وسيرته العملية.
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وينصح بالرجوع إلى كتاب "رياض الصالحين" ، للإمام النووي رحمه الله ، وكتاب"الترغيب والترهيب" للإمام المنذري رحمه الله .
ثالثا :
الخيانة هي ضد الأمانة والوفاء ؛ فإذا كانت الأمانة والوفاء هي من خصال الإيمان والتقوى ، فإن الخيانة والغدر من خصال النفاق والفجور ، والعياذ بالله :
عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) رواه البخاري (3178) ومسلم (58) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) - رواه البخاري ( 1870) ومسلم (1370) .
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان ) رواه البخاري (6178) ومسلم (1735 ).
نسأل الله أن يجعلنا من الموفين بالعهود والمواثيق وأن يعيذنا من الخيانة ونقض العهد وأن يوفقنا لحسن القول والعمل .. والحمد لله رب العالمين
ينظر كتاب : (العهد والميثاق في القرآن الكريم/ أ.د. ناصر سليمان العمر )