الحمد لله.
ومما يدل على ضعف هذا الأثر أنه يبعد عن مثل خارجة بن
زيد بن ثابت رحمه الله – وهو من الفقهاء السبعة – أن يثب قبر عثمان بن مظعون رضي
الله عنه ؛ فإن هذا فعل منكر وعمل سفيه ، لا يفعله مثل خارجة بن زيد ، وخاصة أن
الرواية تقول أنه فعل ذلك حال شبابه ، وهو في شبابه كان مشغولا بطلب العلم وتحصيله
أشد الشغل ، مما جعله من الفقهاء المعدودين في المدينة ممن يرجع إليهم في الفتوى ،
مما يبعد معه وقوع مثل هذا التصرف المنكر منه .
وقد صح من حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ
يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ ) رواه مسلم (970) وأبو داود (3225) والنسائي
(2028) والترمذي (1052) – واللفظ له .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال : ( لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ
فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ ) رواه
مسلم (971) .
وروى الإمام أحمد (27918) عن عَمْرٌو بن حزم رضي الله عنه قَالَ : رَآنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَّكِئٌ عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ
( انْزِلْ عَنْ الْقَبْرِ لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ ) .
صححه الألباني في "الصحيحة" (2960) .
ولا شك أن هذا الوثب على القبر مما يؤذي صاحبه .
ثالثا :
تقدم في إجابة السؤال رقم (83133)
، (126400) بيان
أن المشروع رفع القبر عن الأرض قدر شبر واحد لا يزاد عليه . وأنه لا يجوز البناء
عليها .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (11/342) :
" لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ التُّرَابِ فَوْقَ
الْقَبْرِ قَدْرَ شِبْرٍ ، وَلاَ بَأْسَ بِزِيَادَتِهِ عَنْ ذَلِكَ قَلِيلاً عَلَى
مَا عَلَيْهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ؛ لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ ،
فَيُتَوَقَّى وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ " انتهى.
وانظر : "الموسوعة الفقهية" (32/250) .
وعلى ذلك يحمل قول الحافظ المتقدم : " وَفِيهِ جَوَاز تَعْلِيَة الْقَبْر وَرَفْعه
عَنْ وَجْه الْأَرْض " .
رابعا :
البناء على القبور من الأفعال المنكرة والبدع المستحدثة المخالفة للسنة الثابتة في
القبور ، المخالفة للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن البناء عليها ،
ثم هي ذريعة لتعظيم القبور وتعظيم أصحابها ، وهذا باب من أبواب الشرك بالله .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" البناء على القبور بدعة منكرة ، فيها غلو في تعظيم من دفن في ذلك وهو ذريعة إلى
الشرك ، فيجب على ولي أمر المسلمين أو نائبه الأمر بإزالة ما على القبور من ذلك
وتسويتها بالأرض ؛ قضاء على هذه البدعة ، وسدا لذريعة الشرك " انتهى من "فتاوى
اللجنة الدائمة" (1 /413) .
راجع إجابة السؤال رقم (8991)
، (130919) .
خامسا :
قول السائل – نقلا عن أهل البدع من القبوريين - : إن الحديث الآخر الذي ورد فيه
النهي عن البناء على القبور إنما هو خاص باليهود والنصارى .
كلام فاسد غير معقول ؛ إذ كيف ينهى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى عن
البناء على القبور ؟!
وإنما الصحيح : أن النهي عن البناء على القبور منهي عنه لأنه من فعل اليهود
والنصارى الذي كانوا يفعلون ذلك فيقعون في الشرك ؛ كما روى البخاري (434) ومسلم
(528) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ
لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ . فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا
مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى
قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ ، أُولَئِكَ شِرَارُ
الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ ) .
راجع إجابة السؤال رقم (26312)
.
والله أعلم .