بلال : ( هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ ) ؟
أريد شرح هذا الحديث :
(..... فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا ، إلا بلالا ، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد) رواه أحمد.
ما معنى : فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
روى ابن ماجة (150) وأحمد (3822) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : (
كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ
وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَالْمِقْدَادُ ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَمَّا أَبُو
بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ
الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ
، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا ،
إِلَّا بِلَالًا فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ وَهَانَ عَلَى
قَوْمِهِ ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي
شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ : أَحَدٌ أَحَدٌ ) .
وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْله ( فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسه ) أَيْ صَغُرَتْ وَحَقُرَتْ عِنْده
لِأَجْلِهِ تَعَالَى وَفِي شَأْنه " .
فالمعنى : أن نفسه رضي الله عنه تضاءلت نفسه وصغرت في عينه ، فلم يبال بما أصابها
في سبيل الله ، فسواء عليه ضربوه أم سبّوه أم قتلوه ، فكل ذلك عنده هين يسير في جنب
الله ، ما دام أنه في سبيل الله وفي رضا الله فلا التفات إليه ؛ فكل شيء ـ في رضا
الله ـ رخيص قليل ، حقيق أن تبذل النفس مسرعة طائعة ، ولا تبخل به على الله .
ولما كان بهذه المثابة من الصلابة والصمود والثبات لم يتابعهم على شيء مما أرادوه
عليه ، مرددا كلمة التوحيد التي كانت تزيدهم حنقا وغيظا عليه ، فيزيدون في عذابه
فيزداد قوة وإيمانا وثباتا ويقينا – رضي الله عنه .
وقوله : ( وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ ) أي : لم يكن له عندهم قيمة وقدر ؛ لأنه عبد
أسود كفر بآلهتهم وعارضهم وعاندهم ، ولم يكن له منعة ولا قبيلة تحميه وتدفع عنه ؛
فزادوا في عذابه ، وأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكة ، تنكيلا به وتشنيعا ،
حتى أنقذه الله منهم بأبي بكر رضي الله عنه ، فاشتراه وأعتقه .
وقد روى البخاري (3574) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ : " كَانَ عُمَرُ يَقُولُ : أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا ، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا
- يَعْنِي بِلَالًا " .
والله أعلم .