الحمد لله.
أولا :
روى ابن ماجة (150) وأحمد (3822) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : ( كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَالْمِقْدَادُ ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا ، إِلَّا بِلَالًا فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ : أَحَدٌ أَحَدٌ ) .
وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْله ( فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسه ) أَيْ صَغُرَتْ وَحَقُرَتْ عِنْده لِأَجْلِهِ تَعَالَى وَفِي شَأْنه " .
فالمعنى : أن نفسه رضي الله عنه تضاءلت نفسه وصغرت في عينه ، فلم يبال بما أصابها في سبيل الله ، فسواء عليه ضربوه أم سبّوه أم قتلوه ، فكل ذلك عنده هين يسير في جنب الله ، ما دام أنه في سبيل الله وفي رضا الله فلا التفات إليه ؛ فكل شيء ـ في رضا الله ـ رخيص قليل ، حقيق أن تبذل النفس مسرعة طائعة ، ولا تبخل به على الله .
ولما كان بهذه المثابة من الصلابة والصمود والثبات لم يتابعهم على شيء مما أرادوه عليه ، مرددا كلمة التوحيد التي كانت تزيدهم حنقا وغيظا عليه ، فيزيدون في عذابه فيزداد قوة وإيمانا وثباتا ويقينا – رضي الله عنه .
وقوله : ( وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ ) أي : لم يكن له عندهم قيمة وقدر ؛ لأنه عبد أسود كفر بآلهتهم وعارضهم وعاندهم ، ولم يكن له منعة ولا قبيلة تحميه وتدفع عنه ؛ فزادوا في عذابه ، وأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكة ، تنكيلا به وتشنيعا ، حتى أنقذه الله منهم بأبي بكر رضي الله عنه ، فاشتراه وأعتقه .
وقد روى البخاري (3574) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كَانَ عُمَرُ يَقُولُ : أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا ، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا - يَعْنِي بِلَالًا " .
والله أعلم .
تعليق