قرأت في مصدر مؤخرا غير الكتاب والسنة أنه رغم أن داود وسليمان كانا موحدين لله إلا أن قومهما في مملكتهما كانوا كفارا ومشركين بالله ، فما رأيك في هذا؟ من فضلك جاوبني مدللا من الكتاب والسنة الصحيحة .(أنا مهتم بالبعد عن مصادر الإسرائيليات).
الحمد لله.
ليس هناك وسيلة صحيحة لإثبات شيء أو نفيه عن الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام إلا ما أثبته أو نفاه القرآن الكريم ، والسنة النبوية الصحيحة ، لأن ما عدا ذلك من الكتب السماوية التي نزلت على الأمم السابقة قد دخلها التحريف والتبديل والتلاعب ، فصارت لا يوثق بما فيها من معلومات ، فما ورد في القرآن الكريم فهو مقطوع بصحته ، وما لم يرد فيه ، فلا سبيل إلى إثباته أو نفيه ، بل نتوقف فيه ونقول : الله أعلم .
ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا : لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا رواه البخاري (4485) . وذلك فيما لم يرد في القرآن الكريم إثباته أو نفيه .
وإذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم المتعلقة بداود وسليمان عليهما السلام ، نجد أنها تدل دلالة ظاهرة على أن قومهما كانوا مؤمنين موحدين .
ففي قصة قتل داود للملك الكافر جالوت ، قال الله تعالى : ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة/249 .
وهذا يدل على أن الجيش الذي كان يقاتل معه داود عليه السلام كانوا مؤمنين بالله موحدين . وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ/10-13 .
وذلك يدل على أن آل داود كانوا مؤمنين بالله ويعبدونه ويشكرونه ، والمراد بآل داود هنا : داود وأولاده وأهله . " تفسير السعدي " ص795 .
وقال تعالى : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) النمل/17 .
فهؤلاء الجنود لا شك أنهم كانوا مطيعين لسليمان عليه السلام ، فلا بد أنهم كانوا مؤمنين بالله ، والآيات كلها تدل على ذلك .
قال تعالى عن سليمان عليه السلام بشأن بلقيس وقومها : ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) النمل/ 38 ، وهذا يدل على أن جنوده كانوا مسلمين ، لأنهم يساعدونه على إسلام بلقيس وقومها ، وقول الله تعالى : ( قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) النمل/39، 30 .
ظاهر جدا في أنهما كانا مؤمنين بالله تعالى ، فالأول وصف نفسه بالقوة والأمانة ورأس الأمانة خشية الله تعالى ، والثاني وصفه الله تعالى بأنه عنده علم من الكتاب ، وذلك يدل على إيمانه .
وقول الله تعالى عن سليمان : ( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) النمل/ 37 ، فهؤلاء جنوده يقاتلون في سبيل الله ، ويقاتلون القوم الكافرين ، فكيف لا يكونون مؤمنين ؟
وقوله تعالى عن بلقيس : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) النمل/ 44 يدل دلالة قاطعة على أنها أسلمت لله وكانت مؤمنة به .
فكل هذه الآيات تدل دلالة واضحة على أن قوم داود وسليمان عليهما السلام كانوا مؤمنين موحدين فلا يلتفت إلى ما خالف ذلك .
والله أعلم .