الحمد لله.
أختنا الكريمة :
لقد آلمتنا معاناتك ، وأحزننا ما تجدين من الشدة والبأس في عملك ، ومعيشتك مع
مخدوميك ؛ ولئن سألت عن الإسلام في ذلك الذي تعانينه ؛ فأين من الإسلام ذلك كله ؟!
وأين من الإسلام أن يشبع المخدوم ، والخادم جائع ؟!
بل أين من الإسلام أين يشبع وجاره جائع ؟!
بل أين من الإسلام أن يشبع ، ودوابه التي يعمل عليها ، والدواجن في بيته جياع ، لا
يطعمهم؟!
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ،
وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ) رواه مسلم (3007) .
وقال أيضا : ( لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ
الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ) رواه مسلم (1662) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا كَفَى
الْخَادِمُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ ، فَلْيُجْلِسْهُ فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ ، فَإِنْ
لَمْ يَفْعَلْ ، فَلْيَأْخُذْ لُقْمَةً ، فَلْيُرَوِّغْهَا فِيهِ ، فَيُنَاوِلْهُ )
.
رواه أحمد في مسنده (12/292 رقم 7338ـ الرسالة) وقال المحققون : إسناده صحيح على
شرط الشيخين .
نصيحتنا لك أن لا تسكتي على مظلمتك ، وأن تطالبي بأجرتك بكل جرأة ووضوح ، وتستعملي
في سبيل ذلك الكلمات اللينة والصريحة في الوقت نفسه ، فما تفعله هذه الأسرة من
تأخير أجرتك وحرمانك من الطعام من أقبح الظلم وأخسه ، حيث يستغل الغنيُّ العاملَ
الفقير ، ويؤخر أجرته ومستحقاته إلى أطول وقت ممكن ، لا لشيء إلا على سبيل الإهمال
، أو على سبيل القصد والعمد يريد إلحاق الأذى والعوز به .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ
يَوْمَ القِيَامَةِ – وذكر منهم - وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى
مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ ) رواه البخاري (2270).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الْمُسْلِمُ
أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ ) رواه مسلم
في " صحيحه " (2564) .
فيا ويح أولئك المتجبرين الذين يستضعفون الناس ويأكلون أموالهم بالباطل ، وقد كان
الأجدر بهم أن يحسنوا إليهم ، فيكرموهم بما يزيد على أجرتهم لمساعدتهم على حمل
تكاليف الدنيا وأعبائها ، وليس فقط أن يؤدوا إليهم حقوقهم .
فما بالك إذا اعتدوا على تلك الحقوق فأكلوها أو أخروها بغير وجه حق ، والله عز وجل
يقول : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ
فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ
يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ ) الشورى/39-43.
وإذا كان عقد العمل والخدمة
الذي تعملين بموجبه قد نص على طعامك وشرابك في كفالة هؤلاء الذين تعملين معهم ، أو
كان العرف العام يقضي بذلك ، فلا حرج عليك حينئذ فيما تأكلين أو تشربين بغير علم
الأسرة التي تخدمينها ، فذلك حقك المشروع المتفق عليه معهم .
أما إذا نص العقد على أن تتحملي تكاليف الطعامك والشراب ، أو كان هذا هو العرف
العام ، فالأصل أن توفري طعامك من مالك الخاص .
وفي حال عدم استلام الراتب وتأخيره يجوز لك الأكل بالمعروف دفعا للحاجة إذا لم
يتوفر لك من المال ما تشترين به الطعام .
والله أعلم .