الحمد لله.
روى البخاري (6514) ، ومسلم (2960) عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، قال: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ،
فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ : يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ
وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ ) .
ومعنى الحديث : أن الرجل إذا مات تبعه إلى قبره ثلاثة : تبعه أهله ، وهم أولاده
وأقاربه وأهل صحبته ومعرفته ، وتبعه ماله ، كعبيده وإمائه ودابته ، وتبعه عمله ،
وهو ما أسلفه من خير أو شر . فيرجع أهله وماله ، ويبقى معه عمله .
انظر : "مرقاة المفاتيح" (8/3235) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلُهُ ( يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ) هَذَا يَقَعُ فِي
الْأَغْلَبِ ، وَرُبَّ مَيِّتٍ لَا يَتْبَعُهُ إِلَّا عَمَلُهُ فَقَطْ ،
وَالْمُرَادُ مَنْ يَتْبَعُ جِنَازَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَدَوَابِّهِ
عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ ، وَإِذَا انْقَضَى أَمْرُ الْحُزْنِ
عَلَيْهِ رَجَعُوا ، سَوَاءٌ أَقَامُوا بَعْدَ الدَّفْنِ أَمْ لَا .
وَمَعْنَى بَقَاءِ عمله : أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ .
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ
الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ : ( وَيَأْتِيهِ
رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ حَسَنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ
بِالَّذِي يَسُرُّكَ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ
) وَقَالَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ( وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ الْحَدِيثَ
) وَفِيهِ ( بِالَّذِي يَسُوءُكَ ) وَفِيهِ ( عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( يتبع الميت ثلاثة : فيرجع اثنان ويبقى
واحد ، يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ) كيف أن ماله يتبعه
؟
فأجاب :
" قال أهل العلم رحمهم الله تعالى : هذا في الميت الذي له أرقاء يتبعونه ، والأرقاء
أمواله يباعون ويشترون .
وقال بعض العلماء : المراد بماله هو ما يكرم من أجله ، يعني أن الناس غير أقاربه
وغير أهله : يخرجون معه من أجل ماله إذا كان تاجرا ، فعبر بالمال عن التابعين من
أجل المال ، ولهذا نجد الفقير إذا صلي عليه في المسجد لا يتبعه إلا الذين يحملون
النعش فقط ، أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، لكن إذا كان غنيا ملأوا المسجد إلا ما شاء
الله ، فهذا تبع المال .
وربما يقال : المال ما يغطى به من أكسية أو نحوها ، يرجع فيكون هذا هو المراد
بالمال لكن هذا ضعيف .
فالمعنى إما أن يقال : إن المراد بالمال العبيد الأرقاء ، أو يراد بالمال ما يكرم
به من أجله ، وهو كثرة الناس الذين ليسوا من أهل الميت . والله أعلم " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (17/ 429-430) .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (10403)
، والسؤال رقم : (131590)
.
والله أعلم .