الحمد لله.
وقد اختلف العلماء فيمن قال:
( اللهم صل على محمد عدد كذا )، إن كان يثاب بمثل ذلك العدد أم يثاب ثوابا واحدا
معظما ، والذي جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يثاب ثوابا واحدا ، ولا
يكافئ ثواب من صلى حقيقة ، بذلك العدد ، صلوات تامة كاملة ، ولكن هذا الثواب الواحد
أكبر من ثواب الصلاة المجردة .
يقول رحمه الله :
" إذا قيل للرجل : سبح مرتين ، أو سبح ثلاث مرات ، أو مائة مرة . فلا بد أن يقول :
سبحان الله ، سبحان الله ، حتى يستوفي العدد ، فلو أراد أن يجمل ذلك فيقول : سبحان
الله مرتين . أو مائة مرة ، لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة ، وقول النبي صلى الله
عليه وسلم لأم المؤمنين جويرية : ( لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلته منذ
اليوم لوزنتهن : سبحان الله عدد خلقه . سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله رضا نفسه
، سبحان الله مداد كلماته ) أخرجه مسلم في صحيحه ، فمعناه أنه سبحانه يستحق التسبيح
بعدد ذلك ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( ربنا ولك الحمد ، ملء السموات ، وملء
الأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ) ليس المراد أنه سبح تسبيحا بقدر
ذلك ، فالمقدار تارة يكون وصفا لفعل العبد وفعله محصور . وتارة يكون لما يستحقه
الرب ، فذاك الذي يعظم قدره ؛ وإلا فلو قال المصلي في صلاته : سبحان الله عدد خلقه
. لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة . ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح دبر كل
صلاة ثلاثا وثلاثين ، ويحمد ثلاثا وثلاثين ، ويكبر ثلاثا وثلاثين . فلو قال : سبحان
الله والحمد لله والله أكبر عدد خلقه . لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/11-12) .
ويقول أيضا رحمه الله :
" أفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه ، نحو سبحان الله عدد خلقه ، فهذا أفضل من
مجرد سبحان الله ، وقولك الحمد لله عدد ما خلق في السماء ، وعدد ما خلق في الأرض ،
وعدد ما بينهما ، وعدد ما هو خالق ، أفضل من مجرد قولك الحمد لله " انتهى من " .
الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 87) .
ويقول ابن القيم رحمه الله :
" تفضيل ( سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته )
على مجرد الذكر بـ " سبحان الله " أضعافا مضاعفة ، فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين
يقول : ( سبحان الله وبحمده عدد خلقه ) من معرفته وتنزيهه وتعظيمه من هذا القدر
المذكور من العدد أعظم مما يقوم بقلب القائل ( سبحان الله ) فقط .
وهذا يسمى الذكر المضاعف ، وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد ، فلهذا كان أفضل منه ،
وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه ، فإن قول المسبح ( سبحان الله وبحمده عدد
خلقه ) يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو
كائن ، إلى ما لا نهاية له .
فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم ، الذي لا
يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون ، وتضمن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه ، لا إن ما
أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده ، بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى
من التسبيح هو تسبيح يبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره " .
انتهى من " المنار المنيف " (ص34) .
ونقل صاحب " مواهب الجليل " (1/ 20) عن الفقيه ابن عرفة قوله : " يحصل له من الثواب
أكثر من ثواب مَن صلى واحدة ، لا ثواب مَن صلى تلك الأعداد " انتهى.
فالخلاصة : أنه لا حرج في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة ( اللهم صل على محمد عدد خلقك ، ورضا نفسك ، وزنة عرشك ، ومداد كلماتك )، بصيغة الخطاب ، وليس بصيغة الغائب ؛ لأن قولك ( اللهم ) نداء ، فهو بمعنى الخطاب ، إلا أن يقول : صلى الله على نبينا محمد عدد خلقه .. فهذا لفظ صحيح في اللغة .
وقد تقدم في موقعنا الجواب
رقم : (126934)
تقرير استحباب هذه الصيغة في التسبيح والتهليل ، ولا فرق بينها وبين الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلها أذكار مشروعة ، ونحن نرجو أن يكتب الله عز وجل
لهذه الصلاة أجرا أعظم وأجزل من الصلاة المجردة ، ولكن بشروط عدة :
أولا : أن لا يعتقد لها فضلا خاصا .
ثانيا : أن لا يراها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثا : أن لا يعتقد أنها أفضل من صيغة الصلاة الإبراهيمة التي علمنا إياها النبي
صلى الله عليه وسلم ، وقد سبق تقرير ذلك في الفتوى رقم : (88109)
.
رابعا : أن لا يستعملها في الصلاة ، بل خارجها ، فصلاة الفريضة أو النافلة لها
أذكارها الخاصة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .