أود ممارسة التمارين لزيادة قوتي ،ولكنني أود بممارسة ذلك حسب الطريقة الإسلامية ، فهل قام النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه التمارين ؟ وما هو أسلوب السباحة الذي كان يمارسه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ؟
الحمد لله.
روى مسلم (2664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ) .
وهذه القوة تشمل قوة الجسم وقوة الإيمان ، كما بيناه في جواب السؤال رقم : (10238) .
وقال تعالى :
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 247.
" ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) أي: فضله عليكم بالعلم والجسم، أي: بقوة الرأي والجسم اللذين بهما تتم أمور الملك ، لأنه إذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب ، حصل بذلك الكمال ، ومتى فاته واحد من الأمرين اختل عليه الأمر، فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي ، حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع ، قوة على غير حكمة ، ولو كان عالما بالأمور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 107) .
وفي قوة البدن وصحته وسلامته عون للعبد على طاعة الله في الصلاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك ، وفي ضعفه ومرضه تأخر عن كثير من الطاعات ، وقد روى أبو داود (3107) عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا، أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى صَلَاةٍ ) وحسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة "(1365) .
ومما ينبغي أن يراعى في ممارسة الألعاب والتمارين الرياضية التي تقوي البدن من الآداب الشرعية :
- احتساب الأجر ، والاستعانة بها على العبادة ونصرة المظلوم .
- ألا تتضمن مخالفة شرعية ، كانحناء اللاعبين بعضهم لبعض ، وكالضرب في الوجه ، وكشف العورات ، والمقامرة ، وغير ذلك .
- ألا تشغله عن طاعة الله وعبادته وبر الوالدين ونحو ذلك من الأولويات والمهمات .
- ألا ينفق فيها الأموال الطائلة ، فيسرف إسرافا ويبذر تبذيرا ، وإنما يكون أمرها في أحواله كلها على الاستقامة والقصد .
انظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (20198) ، (218489) .
ولا نعلم في السنة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمارس هذه التمارين والألعاب الرياضية المعروفة ؛ فإن الله عز وجل قد أتم عليه النعمة في شأنه كله ، وأكمل له قوة البدن وقوة الإيمان .
والذي نعلمه ثابتا في السنة بهذا الخصوص :
أولا : مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة رضي الله عنه قبل إسلامه .
فروى أبو داود (4078) أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم .
وحسنه الألباني في "الإرواء" (5/329) .
ثانيا : مسابقته زوجته عائشة رضي الله عنها .
فروى أبو داود (2578) ، وأحمد (26277) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: ( تَقَدَّمُوا ) ، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: ( تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ) فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : ( تَقَدَّمُوا ) فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ: ( تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ) فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: ( هَذِهِ بِتِلْكَ ) " .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
ثالثا : الرماية : فروى البخاري في صحيحه (3373) عن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ، ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ) ، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ) ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ، قَالَ: (ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ) ".
ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتمرنون على الفروسية وفنون القتال والجري ، وكانوا في الشدة وقوة البأس على الغاية .
وطبيعة مثل هذه الأمور تختلف من زمان إلى زمان ، ومن حال إلى حال .
أما السباحة :
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ لَعِبٌ ، لَا يَكُونُ أَرْبَعَةٌ: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعَلُّمُ الرَّجُلِ السَّبَّاحَةَ ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (8889) وصححه الألباني في "الصحيحة" (315) .
ولا نعلم شيئا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في السباحة من فعله .
وأما ما يذكر : "علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل" : فلا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بهذا اللفظ .
وقد روي عنه بلفظ مقارب : (علموا أبناءكم السباحة والرمي، والمرأة المغزل) ؛ وهو ـ حديث ضعيف جدا .
ينظر : "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (3876، 3877) .
والله تعالى أعلم .