هل يكفر من يحب المعصية وانتشارها ؟
هل الفرح وحب انتشار المعاصي والكفر ، وأن يريد الإنسان أن تقع وتنتشر ، هل هذا كفر ؟ ومتى يكون كفرا ومتى لا يكون كفرا ؟
ملخص الجواب:
والخلاصة : أن هناك فرقا بين
من يحب أن يقع الكفر وينتشر ، وبين من يشتهي المعصية ، ويحب أن تتيسر له ، ويحب
وقوع المعصية وانتشارها .
فمحبة وقوع الكفر وانتشاره كفر مخرج عن الإسلام ، فإن كانت ممن يدعي الإسلام فهو
منافق نفاقا أكبر .
وأما محبة وقوع المعصية وانتشارها : فإن كان ذلك بسبب الهوى وميل النفس لها : فهذا
دليل على نقص الإيمان ، ولكنه ليس كفرا .
وإن كان ذلك كراهية لشرع الله وحكمه ، أو تفضيله لغيره من الأحكام والملل والشرائع
عليه : فهو كفر أكبر مخرج من الملة .
والله أعلم .
الجواب
الحمد لله.
إذا كان المسلم راضيا بأحكام الله ومذعنا لها ، لا اعتراض عنده على قبولها ، ولكن
ضعْف إيمانه يدعوه إلى ارتكاب بعض المعاصي ، ودعوة الناس إليها : فمثل هذا لا يكفر
؛ ويكون عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه وأطاعه ، كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ
تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى
ضَلَالَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا
يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم (2674) .
وقال تعالى : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ
أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )
سورة النحل / 25 .
مثال ذلك : مدمن الخمر ، فلا يصح القول بأن مدمن الخمر ، والمحب لها ، الذي يدعو
بعض أصحابه ليشربها معه ، أو يجلبها ، أو يبيعها لهم لا يصح القول بأن هذا يحب أن
يُعصى الله في الأرض ، ثم نخرجه من دائرة الإسلام إلى الكفر .
وينظر جواب السؤال : (148099) .
ثانيا :
إذا كان الرجل يحب أن يُعصى الله في الأرض ، ويُسَر بانخفاض دين الإسلام وأهله ، أو
كان يرد حكم الله ، أو يعترض على تحريم ما حرم الله ، أو يحب الكفر ، أو يفرح بظهور
الكفر وأهله : فهذا هو الكافر ؛ ولا يكون ذلك إلا من عدو للدين ، ومبغض لما جاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: " الخامس : من أبغض شيئا مما
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو عمل به ، فقد كفر ؛ لقوله تعالى : (ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) " انتهى .
وانعقد الإجماع على كفر من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما
نقله صاحب " كشاف القناع " (6/168) ، وغيره .
ثالثا :
بناء على ما سبق يتبين الفرق بين محبة المعصية - من جهة ميل النفس الأمارة بالسوء ،
وتزيين الشيطان - وبين محبة أن يُعصى الله في الأرض ، وكراهة ما شرع لعباده .
ويشبه هذا : من يكره بعض التكاليف الشرعية لما فيها من مشقة عليه ، فهذا لا يكفر ،
بخلاف من كرهها لأنها أمر الله وشرعه .
وإليك بعض النقول التي تزيد من إيضاح المسألة :
قال البغوي رحمه الله : " وقوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ
كُرْهٌ لَكُمْ ) قال بعض أهل المعاني : هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه ، لما فيه
من مؤنة المال ، ومشقة النفس ، وخطر الروح ؛ لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى " انتهى
من " تفسير البغوي " (1/204) .
قال الشيخ ابن عثيمين في فوائد قوله تعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) :
" ومنها: أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه ؛ لا كراهته من حيث أمر
الشارع به ؛ ولكن كراهته من حيث الطبيعة ؛ أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا
، وانشراح الصدر به " انتهى من " تفسير القرآن لابن عثيمين " .
وقال رحمه الله في موضع آخر : " وقوله: (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) : يجب أن تعلم أن
الضمير في قوله: (وَهُوَ) يعود على القتال ، وليس يعود على الكتابة، لأن الصحابة
رضي الله عنهم لايمكن أن يكرهوا فريضة الله ، لكن يكرهون القتل ، ويقاتلون ،
فيقتلون .
وفرق بين أن يكره الإنسان حكم الله ، أو أن يكره المحكوم به " .
انتهى من "مؤلفات الشيخ ابن عثيمين" (2/ 438) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " من النفاق ما هو أكبر ، ويكون صاحبه في الدرك الأسفل
من النار ؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره ؛ بأن يظهر تكذيب الرسول ، أو جحود بعض ما
جاء به ، أو بغضه ، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه ، أو المسرة بانخفاض دينه ، أو
المساءة بظهور دينه ، ونحو ذلك : مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله .
وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما زال بعده ؛ بل هو
بعده أكثر منه على عهده ؛ لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى ، فإذا كانت مع قوتها
، وكان النفاق معها موجودا ، فوجوده فيما دون ذلك أولى .
وكما أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض المنافقين ، ولا يعلم بعضهم ، كما بينه
قوله : (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم
نحن نعلمهم) ؛ كذلك خلفاؤه بعده وورثته : قد يعلمون بعض المنافقين ولا يعلمون بعضهم
.
وفي المنتسبين إلى الإسلام من عامة الطوائف منافقون كثيرون ، في الخاصة والعامة ،
ويسمون " الزنادقة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/434).