الحمد لله.
وهذه الصفات ما دامت لا تفيد المدح على وجه الإطلاق ؛ فيلزم الآتي :
1- لا يوصف الله تعالى بها على وجه الإطلاق ، وإنما يوصف بها ، في سياق ما جاءت به
النصوص ، وهو الوجه الذي يقتضي المدح ، وتكون من صفات الكمال كما هو الحال في
الآيات السابقة .
2- ولا يجوز أن يشتق منها اسم يسمى به الله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق ، كما لا تمدح على الإطلاق ، والمكر
والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم ، ولا من جهة القدرة ، فإن العلم والقدرة من
صفات الكمال ، وإنما يذم ذلك من جهة سوء القصد وفساد الإرادة ، وهو أن الماكر
المخادع يجور ويظلم ، بفعل ما ليس له فعله ، أو ترك ما يجب عليه فعله .
إذا عرف ذلك فنقول : إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء
مطلقا ، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى ، ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء
الحسنى أن من أسمائه الماكر ، المخادع ، المستهزئ ، الكايد ، فقد فاه بأمر عظيم
تقشعر منه الجلود ، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه .
وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال ؛ فاشتق له [الذي اشتق
هو من يرد عليه ابن القيم ] منها أسماء ، وأسماؤه كلها حسنى ؛ فأدخلها في الأسماء
الحسنى ، وأدخلها وقرنها بالرحيم الودود الحكيم الكريم ، وهذا جهل عظيم ، فإن هذه
الأفعال ليست ممدوحة مطلقا ، بل تمدح في موضع ، وتذم في موضع ، فلا يجوز إطلاق
أفعالها على الله مطلقا ، فلا يقال : إنه تعالى يمكر ويخادع ، ويستهزئ ويكيد .
فكذلك بطريق الأولى : لا يشتق له منها أسماء يسمى بها ، بل إذا كان لم يأت في
أسمائه الحسنى المريد ولا المتكلم ولا الفاعل ولا الصانع ، لأن مسمياتها تنقسم إلى
ممدوح ومذموم ، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها ، كالحليم والحكيم ، والعزيز
والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر المخادع المستهزئ ؟
ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى الداعي والآتي ، والجائي والذاهب ،
والقادم والرائد ، والناسي والقاسم ، والساخط والغضبان واللاعن ، إلى أضعاف أضعاف
ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه أفعالها في القرآن ، وهذا لا يقوله مسلم ولا
عاقل " .
انتهى من " مختصر الصواعق المرسلة " (3 / 745 - 746) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" وأما صفة الكمال بقيد ؛ فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيدا ، مثل :
المكر ، والخداع ، والاستهزاء .. وما أشبه ذلك ، فهذه الصفات كمال بقيد ، إذا كانت
في مقابلة من يفعلون ذلك ، فهي كمال ، وإن ذكرت مطلقة ، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل
، ولهذا لا يصح إطلاق وصفه بالماكر أو المستهزئ أو الخادع ، بل تقيّد ، فنقول :
ماكر بالماكرين ، مستهزئ بالمنافقين ، خادع للمنافقين ، كائد للكافرين ، فتقيدها ؛
لأنها لم تأت إلا مقيدة " .
انتهى من " شرح العقيدة الواسطية " (1 / 143) .
وينظر للفائدة : "القواعد الكلية للأسماء والصفات" د. إبراهيم البريكان (185-194) ،
"معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" ، د. محمد خليفة التميمي
(318-329) .
والله أعلم .