الحمد لله.
ولتأكيد ذلك نسوق هنا – بعد
الاستقراء – جميع موارد كلمتي "نجم"، و"كوكب" في القرآن الكريم، ليظهر فيها بدلالة
واضحة ، مقدار الترادف بينهما، وأن الأجرام الفلكية المتحركة كالشهب والنيازك تسمى
أيضا في اللغة العربية "نجوما" و"كواكب".
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) النجم/ 1 .
(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ
الثَّاقِبُ) الطارق/ 1 – 3 .
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظًا مِنْ
كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ. لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى
وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلَّا مَنْ
خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)
الصافات/ 6 – 10 .
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ.
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ
السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحِجر/ 16 – 18.
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا
وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ
يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن/ 8، 9 .
ومنه أيضا ما ورد في "صحيح مسلم" (رقم/220) عن حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى
الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟" .
فسماه كوكبا ، رغم كونه ساقطا متحركا.
وبذلك يتبين أن الشهب والنيازك هي – في عرف العرب – تسمى كواكب ونجوم أيضا.
ولكن ليست جميع الكواكب والنجوم ، شهبا ونيازك .
ويؤكد ما سبق أيضا : هذه
الآيات الكريمات التي تتحدث عن زينة السماء ، وهداية الطريق ، والتسخير للإنسان :
كلها تسمى : "نجوم"، كما هي أيضا : "كواكب" ؛ فمن ذلك :
(وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) النحل/ 16 .
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأنعام/ 97 .
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) الأعراف/ 54 .
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ
مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) النحل/
12.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ
وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ
يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج/
18 .
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) الصافات/ 88.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) الطور/ 49.
(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) الواقعة/ 75 .
(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) المرسلات/ 8 .
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) التكوير/ 1، 2 .
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) الأنعام/ 76 .
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يوسف/ 4 .
(إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ) الانفطار/ 1، 2
.
هكذا يتبين بكل سهولة لقارئ
القرآن الكريم : أنه جرى على ما جرت عليه عراقة اللغة العربية من التوسع في إطلاق
كلمة "النجم" على الأجرام السماوية بأنواعها.
ولا ينكَر وجودُ تفريق دقيق بين "النجم"، و"الكوكب" لدى بعض علماء اللغة، لكن مناط
الفرق هو الحجم، أو الحركة ، وأقوال أخرى ، وليس هو المناط المعاصر ، الذي هو
الإضاءة بذاته من عدمها.
كما أن وجود التفريق : لا ينفي بحال من الأحوال إطلاق "النجم" و "الكوكب" على
الأجرام السيارة المتحركة كالشهب.
يقول العسكري رحمه الله:
"الكوكب : اسم للكبير من النجوم ، وكوكب كل شيء : معظمه .
والنجم : عام في صغيرها وكبيرها.
ويجوز أن يقال: الكواكب هي الثوابت. ومنه يقال: فيه كوكب من ذهب أو فضة؛ لأنه ثابت
لا يزول.
والنجم : الذي يطلع منها ويغرب .
ولهذا قيل للمنجم: منجم ؛ لأنه ينظر في ما يطلع منها. ولا يقال له : مكوكب" .
انتهى من "الفروق اللغوية" (ص: 301) .
نرجو بهذا أن يزول الإشكال
عن السائل الكريم بسهولة ووضوح.
والله أعلم.