الحمد لله.
غاية خلق المرأة ليست هي خدمة الرجل ومتعته، كما أن غاية خلق جنس الإنسان كله ليست هي الشقاء والنصب، فالإسلام يعلمنا أن الإنسان خلق حرا متعاليا عن العبودية الدنيوية، ليتجه بعبوديته كلها لله سبحانه، ويعرف لله عز وجل حق قدره، فيعمر الكون بالخير والصلاح، على أي نحو كان جنسه أو عرقه أو لونه أو هيئته، لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والتقوى هي كل ما يحبه الله ويرضاه. يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]
ولو تحدث الناس كلهم بالمنطق الذي تتحدثين به ، يا أمة الله ، لفسدت كل الموازين والمعايير القيمية لهذا الخلق !!
فالفقير سيتحدث أنه مسخر للغني، والصغير سيتهم الكبير بتسخيره لمتعته وتزيين دنياه، والمريض سيتهم السليم بالاستئثار بما في الدنيا من نعيم دونه، والرجل سيتهم المرأة بأنه يكدح الليل والنهار، ويشقى في جميع سني عمره لتعيش سعيدة منعمة في منزلها، وتتفرغ لحاجاتها ومتعتها، والمرأة ستتهم الرجل بأنها تشقى لأجل راحته في بيته ورعاية ولده، وهكذا في دائرة لا تنتهي ولا تنقضي من "فوضى الاتهامات"، لينتقلوا بعدها إلى اتهام "الخالق" جل وعلا في حكمته ، وخبرته ، ورحمته ؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
في حين أن الفهم السليم لهذه العلاقات المتشابكة في الحياة هو أن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض، وقد خلقهم الله عز وجل في النقص والاحتياج، واستقل عز وجل بالصمدية والكمال .
ولكن هذه الحاجة إلى ما عند المخلوقات الأخرى لا تدل على "الغاية" من الخلق، ولا تكون أبدا تفسيرا لسبب الوجود وهدف الحياة، وإنما هي حاجة تنجيزية، غرضها الإعانة والمساعدة فحسب، وليس لها أبعاد غائية في تفسير علة الوجود.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (111882)>
كل ذلك تجدينه في قول الله عز وجل: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 32]
يقول ابن كثير رحمه الله:
"ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه ، فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فقال: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات. وقوله: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا قيل: معناه ليُسَخِّر بعضهم بعضا في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، قاله السدي وغيره. وقال قتادة والضحاك: ليملك بعضهم بعضا. وهو راجع إلى الأول.
ثم قال: ورحمت ربك خير مما يجمعون أي: رحمة الله بخلقه ، خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا" انتهى من "تفسير القرآن العظيم" (7/ 226)
فقوله سبحانه: (ورحمت ربك خير مما يجمعون) يذكّرنا بأن رحمة الله المتمثلة بما عنده ، هي المقصد الأساسي الذي خلقنا جميعا للعمل لأجله، رغم كون بعضنا يحتاج إلى الآخر في أسباب وجوده وبقائه وحياته.
والآيات الكريمات التي تحدثت عن الاستخلاف في الأرض ، لم تفرق بين ذكر وأنثى، ولم تفرق بين إنسان وآخر، ولا يجوز قصرها على آدم عليه السلام، بل تشمله جميع ذريته من بعده، وكذلك لا يجوز قصرها على الذكور دون الإناث، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30]. وقال عز وجل: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61]. وقال سبحانه: قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 129]
وحين خاطب النبي صلى الله عليه وسلم النساء خاطب ذواتهن المكلفة التي تحملت أمانة التكليف، وطلب منهن صدق الأداء وتمامه، فقال عليه الصلاة والسلام: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) رواه البخاري (2753) ومسلم (204).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 608
هذه فكرة إضافية أحببنا التقديم بها، لعلها تكون نافعة في توضيح سؤالك .
وإلا فقد سبق في موقعنا نشر جواب مطول مهم جدا في موضوعك ذاته، نرجو منك مراجعته والاطلاع عليه تحت الرقم: (254478)
والله أعلم.
.