العالم والمتجلي هل هما من أسماء الله تعالى ؟
الحمد لله.
أولًا :
"أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها ، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص ، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء ، فوجب الوقوف في ذلك على النص ، لقوله تعالى : وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ، وقوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ . ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه ، أو إنكار ما سمى به نفسه : جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك ، والاقتصار على ما جاء به النص" انتهى من "القواعد المثلى" (13).
ثانيًا :
يجوز أن يُخبَر عن الله تعالى ، بما لم يثبت به التسمية ، متى كان معناه صحيحا مقررا ؛ فإن باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف ، فما يدخل في الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته ، كالشيء ، والموجود ، والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فالإخبار عنه قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ أي باسم لا ينافي الحسن ، ولا يجب أن يكون حسنًا ، ولا يجوز أن يخبر عن الله باسم سيئ.
انظر : "بدائع الفوائد" (1/ 161) ، "مجموع الفتاوى" (6/ 142 ، 143) ، بتصرف .
قال "ابن تيمية" في "مجموع الفتاوى" (6/ 142) أيضًا : "ويفرق بين دعائه والإخبار عنه ؛ فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى ، وأما الإخبار عنه ؛ فلا يكون باسم سيء ، لكن قد يكون باسم حسن ، أو باسم ليس بسيء ، وإن لم يُحكم بحُسنه ؛ مثل اسم: شيء ، وذات ، وموجود " انتهى .
ثالثا:
أما اسم "العالم" فقد أثبته جماعة من العلماء كاسم لله ، ومنهم الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى" مع "المجلى" (127) ، وقد ورد في حديث رواه "ابن ماجة" ، وفيه سرد الأسماء الحسنى .
وقد أخرجها ابن ماجه في سننه ، أبواب الدعاء ، باب أسماء الله عز وجل (ح 3957) ، وانظر : " تخريج حديث الأسماء الحسنى للحافظ ابن حجر" ، (ص 55) ، و"فتح الباري" (11/ 216).
وقال بعض العلماء : إنه من "الأسماء التي لم ترد في النُّصوص بصورة الاسم ، وإنَّما أُخِذَتْ بالاشتقاق" ، قال: " "العالم"
دليله: قوله تعالى: عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الزمر/من الآية46 .
التعليق: لم يرد إطلاق الاسم وإنَّما ورد مضافًا كما في الآية هنا ، انظر: "تيسير العزيز الحميد" (ص 579).
من ذكره: ورد في طريق الوليد بن مسلم عند أبي نُعَيم ، وفي طريق عبد الملك ابن محمد الصنعاني ، وفي جمع: 1- جعفر الصَّادق. 2- ابن منده. 3- الحليميِّ. 4- البيهقيِّ. 5- الأصبهانيِّ. 6- ابنِ العربيِّ. 7- ابنِ الوزير. 8- ابنِ حجر. 9- الحمود. 10- الشرباصيِّ. 11- نور الحسن خان " ، انتهى من "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" للتميمي : (179 - 180).
رابعًا :
وأما "المتجلي" فلم نقف من عده من الأسماء الحسنى.
لكن "التجلي" صفة فعلية ثابتة لله ، فيجوز الإخبار به دون اعتقاد اسميته ، فـ " التَّجَلِّي ، صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة .
ومعناه الظهور للعيان ، لا كما تقول الصوفية : التَّجَلِّي : ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب .
الدليل من الكتاب :
قوله تعالى :قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا الأعراف/143 .
الدليل من السنة:
روى الإمام أحمد في "المسند" (3/125) بإسناد صحيح، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الأعراف: 143] قَالَ: "قَالَ: هَكَذَا. يَعْنِي أَنَّهُ أَخْرَجَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ " قَالَ: أَبِي: " أَرَانَاهُ مُعَاذٌ " . قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ وَمَا أَنْتَ يَا حُمَيْدُ، يُحَدِّثُنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقُولُ أَنْتَ مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ ".
وعند الترمذي (3282) بإسناد صحيح أيضاً من حديث سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً قال حماد هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال فساخ الجبل وخَرَّ موسى صعقاً " . انظر: "صحيح سنن الترمذي" (3/51).
حديث تجلِّي الله عز وجل لعباده يوم القيامة المشهور. رواه البخاري (7438) والترمذي (2480) وقال: "هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواياتٌ كثيرة مثل هذا ، يذكر فيه أمر الرؤية : أنَّ الناس يرون ربهم ، وذِكر القدم وما أشبه هذه الأشياء ، والمذهبُ في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم : أنهم رووا هذه الأشياء ، ثم قالوا : تُروى هذه الأحاديث ، ونؤمن بها ، ولا يقال كيف . وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تُروى هذه الأشياء كما جاءت ، ويُؤمَن بها ، ولا تُفَسَّر ، ولا تُتَوَهَّم ، ولا يقال كيف . وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه ، وذهبوا إليه ، ومعنى قوله في الحديث: "فَيُعَرِّفَهم نفسه" يعني: يَتَجَلَّى لهم" .
قال الإمام أحمد كما في "مجموع الفتاوى" (5/257) لشيخ الإسلام ابن تيمية: "وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، وهو الذي كَلَّم موسى تكليماً ، وتَجَلَّى للجبل فجعله دكاً ، ولا يماثله شيء من الأشياء في شيءٍ من صفاته ، فليس كَعِلمه علمُ أحدٍ ، ولا كقدرته قدرةُ أحدٍ ، ولا كرحمته رحمةُ أحدٍ ، ولا كاستوائه استواء أحدٍ ، ولا كسمعه وبصره سمع أحدٍ ولا بصره ، ولا كتكليمه تكليم أحدٍ ، ولا كَتَجَلِّيِهِ تَجَلِّي أحدٍ" .
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (7/153) : "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِل ربُّنَا إلى السماء الدنيا" ، عندهم : مثل قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، ومثل قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً ؛ كلهم يقول يَنْزِل ويَتَجَلَّى ويجيء ، بلا كيف ، لا يقولون: كيف يجيء ، وكيف يَتَجَلَّى ، وكيف يَنْزِل ، ولا من أين جاء ولا من أين تَجَلَّى ولا من أين يَنْزِل ، لأنه ليس كشيءٍ من خلقه ، وتعالى عن الأشياء ، ولا شريك له .
وفي قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ دلالةٌ واضحةٌ أنه لم يكن قبل ذلك متجلِّيَاً للجبل ، وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التَنْزيل . ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، فلينظر في تفسير بقيُّ بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ، ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق" .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/37) : "وطريقة الرسل هي ما جاء بها القرآن، والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل وينفي عنه - على طريق الإجمال - التشبيه والتمثيل. فهو في القرآن يخبر أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه عزيز حكيم ، غفور رحيم ، وأنه سميع بصير ، وأنه غفور ودود ، وأنه تعالى - على عظم ذاته - يحب المؤمنين ويرضى عنهم ، ويغضب على الكفار ويسخط عليهم ، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ، وأنه كلم موسى تكليما ، وأنه تَجَلَّى للجبل فجعله دكاً ; وأمثال ذلك" .
وقال في "مجموع الفتاوى" (23/76) "ثبت في الأحاديث الصحيحة: أنه إذا تَجَلَّى لهم يوم القيامة سجد له المؤمنون ، ومن كان يسجد في الدنيا رياءً يصيُر ظهرُه مثل الطبق" .
وقال الحكمي في "معارج القبول" (2/772) : "وقوله فتنظرون إليه وينظر إليكم : فيه إثبات صفة التَجَلِّي لله عزَّ وجلَّ ، وإثبات النظر له ، واثبات رؤيته في الآخرة ، ونظر المؤمنين إليه" ، انتهى ، "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" ، للشيخ "علوي بن عبد القادر السَّقَّاف" (92) ، بتصرف .
والله أعلم.