الحمد لله.
يجب الاعتقاد بأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وآخر الرسول، لا نبي ولا رسول بعده، لا لأهل الفترة ولا لغيرهم.
قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب/40، وإذا كان خاتمَ النبيين، فهو خاتم المرسلين، فإن الرسول أخص من النبي.
قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله: ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما كقوله: الله أعلم حيث يجعل رسالته [الأنعام:124] فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده، فلا رسول بعده بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس.
وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة" انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 428).
وروى البخاري (3535)، ومسلم (2286) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ .
وروى مسلم (523) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ .
وروى مسلم (2354) عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ ؛ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ .
قال ابن حزم رحمه الله عمن ادعى: " أَن بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا غير عِيسَى بن مَرْيَم: فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف اثْنَان فِي تكفيره ، لصِحَّة قيام الْحجَّة بِكُل هَذَا على كل أحد" انتهى من الفصل (3/ 139).
وينظر: جواب السؤال رقم : (258868) .
ثانيا:
الراجح في أهل الفترة أنهم يُمتحنون يوم القيامة؛ لما روى الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (16301) عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا .
والحديث حسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1434) وله شواهد متعددة ، ذكرها ابن كثير في تفسيره (5/50-53) .
وقوله: فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ وعند ابن حبان (7357): فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا : أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ
أي: يقول الله لهم ذلك، أو يرسل إليهم ملكا يبلغهم أمر الله بذلك، وليس المقصود إرسال نبي أو رسول من البشر إليهم.ومما يرجح الأول: رواية البزار (7594 ) وفيها:
فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعُنُقٍ مِنْ جَهَنَّمَ - أَحْسِبُهُ قَالَ -: ابْرُزِي، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أَبْعَثُ إِلَى عِبَادِي رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمْ، ادْخُلُوا هَذِهِ.
فَيَقُولُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ: يَا رَبِّ! أَتُدْخِلُنَاهَا، وَمِنْهَا كُنَّا نَفْرَقُ، وَمَنْ كُتِبَ لَهُ السَّعَادَةُ، فَيَمْضِي، فَيَقْتَحِمُ فِيهَا مُسْرِعًا، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ عَصَيْتُمُونِي، وَأَنْتُمْ لِرُسُلِي أَشَدُّ تَكْذِيبًا وَمَعْصِيَةً، قَالَ: فَيُدْخِلُ هَؤُلاءِ الْجَنَّةَ وَهَؤُلاءِ النَّارَ
.
قال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (8/ 178): " رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حديث الأسود بن سريع، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ" انتهى.
وهذا واضح بيِّن أنه ليس هناك رسول جديد لأهل الفترة. وإنما الكلام والأمر من الله مباشرة.
وبنحو هذا رواه الطبراني في معجمه الأوسط (7955 )، والكبير (158)، وفيه: فَيَقُولُ الرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنِّي آمُرُكُمْ بِأَمْرٍ فَتُطِيعُونِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، وَعِزَّتِكَ. فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَادْخُلُوا النَّارَ، فَلَوْ دَخَلُوهَا مَا ضَرَّتْهُمْ، فَيَخْرُجُ عَلَيْهِمْ قَوَابِسُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا قَدْ أَهْلَكَتْ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ، فَيَرْجِعُونَ سِرَاعًا، فَيَقُولُونَ: خَرَجْنَا يَا رَبِّ نُرِيدُ دُخُولَهَا، فَخَرَجَتْ عَلَيْنَا قَوَابِسُ ظَنَنَّا أَنَّهَا قَدْ أَهْلَكَتْ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ، فَيَأْمُرُهُمُ الثَّانِيَةَ، فَيَرْجِعُونَ كَذَلِكَ يَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ.
فَيَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا، عَلِمْتُ مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، وَعَلَى عِلْمِي خَلَقْتُكُمْ، وَإِلَى عِلْمِي تَصِيرُونَ؛ فَتَأْخُذُهُمُ النَّارُ .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 217): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ، وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَرُمِيَ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ: كَانَ يَتْبَعُ السُّلْطَانَ وَكَانَ صَدُوقًا، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ الْكَبِيرِ رِجَالُ الصَّحِيحِ" انتهى.
وعلى فرض أن الله يرسل ملكا يخبرهم بأمره، فهذا أولا ليس رسولا بشريا، والكلام في ختم النبوة والرسالة المعهودة من الله إلى الناس : ( بشرا رسولا ) .
ثم هذا الرسول الملكي: مجرد مُخبر، وليس هو الرسول الذي يبعث للناس ويؤمرون بالإيمان به.
وهذا مثل ما جاء عند أحمد (12469) في شأن الجهنيميين عتقاء الله من النار : ...فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبَدُونَ اللهَ، لَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا. فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: فَبِعِزَّتِي، لَأُعْتِقَنَّهُمْ مِنَ النَّارِ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ، فَيَخْرُجُونَ وَقَدِ امْتَحَشُوا، فَيَدْخُلُونَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ، وَيُكْتَبُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللهِ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ .
فلا يقول عاقل: إن هذا رسول آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
والحاصل:
أنه ليس هناك رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أهل الفترة يكلمهم الله مباشرة ، أو يرسل إليهم ملكا يبلغهم أمره.
والله أعلم.